دولة داخل الدولة فمن يحكم لبنان؟

نشر بتاريخ: الإثنين، 04 تشرين2/نوفمبر 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

أصبح من المسلّم به عند المتابعين لقضايا المنطقة العربيّة أنّ "إيران لا ترى اكتمالا لإمبراطوريتها إلا بالسيطرة على الأماكن المقدسة لشعوب البلدان التي تستهدفها" كما فعل الملك الفارسي قورش الكبير مؤسّس الإمبراطوريّة الفارسيّة وملهم القوميين الفرس قبل 2500 سنة. 

ولتحقيق هذا الهدف الخبيث قامت إيران الفارسيّة بالسيطرة على العتبات المقدّسة والمقامات الشيعيّة في العراق، وحوّلت الحج من مكّة المكرّمة إلى الكوفة وكربلاء، وشيّدت فيهما القباب الشاهقة والبوّابات العالية، وفضّلت أرضها على أرض مكّة، واصطنعت طائفة من رجال الدين، يرون في آيات طهران وقم المرجعيّة العليا في أمور الدين والدنيا، ويستمدون منها الحكمة والمعرفة، وأسّست منظّمات شعبيّة وميليشيّات عسكريّة مجهّزة  بأحدث أنواع السلاح والعتاد الحربي لتنفيذ هذا المشروع. 

وتحت شعار تحرير القدس، وقعت مجازر ومذابح وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان المسلم في العراق وسوريّة ولبنان يشيب لهولها الولدان،  لا لتحرير القدس من احتلال صهيون، ولكن لبسط سيطرتهم على كامل المنطقة المحيطة بالقدس.  

ولم يكتف الطامعون بأرض العرب تدمير البلاد السوريّة وتخريب المدن السنيّة وتهجير شعبها، فلمّا شعروا بهزيمتهم وانتهاء آخر فصول مؤامرتهم، نقلوا معركتهم إلى لبنان حيث يشكّل الشيعة 27%، مستغلين هيمنة (حزب الله) على الحكومة اللبنانيّة وعلى قرارها السياسي، وكانت ميليشيا حزب الله قد حملت السلاح علناً إلى جانب أجهزة الدولة، وقامت بعروض عسكريّة وسط العاصمة لإبراز قوّتها، وما تملكه من سلاح وعتاد حديث. 

 

وسيطر الحزب على مطار بيروت ومرفئها، وعلى المنافذ البريّة والبحريّة والجويّة للبنان، حتى أصبحت حركة النقل والسفر والتهريب والجمارك خاضعة لميليشيات الحزب. 

وعرقل الحزب تشكيل الحكومة اللبنانيّة فترة طويلة، واخترق الكتلة السنيّة التي تشكّل التحدي الديموغرافي لطائفته، واستغلّ انقسام الكتلة المسيحيّة، ففرض شروطه على الجميع.

وفي غياب الدولة اللبنانيّة تدفقت شحنات الأسلحة الإيرانيّة والصواريخ والمعدات القتاليّة باسم المقاومة، فلمّا ملك ناصية القوّة العسكريّة، أدار ظهره نحو الجنوب لأن تحرير فلسطين يبدأ من حلب!، لا من جنوب لبنان. 

واستقلّ الحزب عن منطق الدولة، وتخطّى الحدود، وانخرط في نزاع مسلّح مع فصائل الثورة السوريّة المطالبة بالحريّة والعدالة. 

وأثبتت الوقائع أنّ هذه الأسلحة لم تستخدم إلا لقهر السوريين وإخضاعهم لنظام طائفي ظالم، والمشاركة في تنفيذ المشروع الصفوي الذي يستهدف استئصال السنّة العرب في بلاد الشام والعراق.

وفقد الحزب سمعته وشعبيّته، وأهدر قواه البشريّة والعسكريّة في ساحات المدن السوريّة، قتلاً وترويعاً واغتصاباً ودماراً. 

وأسبغ الرئيس ميشيل عون المتحالف مع (حزب الله)، الشرعية على ممارسات (حزب الله) فمنحه حق الإشراف على مطار بيروت بقوة النص القانوني والتشريعي، وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية الخاضعة لرئيس (التيار الوطني الحر) ـ عملياً صهر الرئيس عون جبران باسيل ـ في حزيران 2018، قراراً يسمح بدخول الإيرانيين إلى لبنان دون ختم جوازات سفرهم، في قرار غير مسبوق، وغير مبرر أبداً، إلا إذا كان القرار يهدف إلى إخفاء معلومات، أو التغطية على معلومات يمكن الوصول إليها بفضل ختم الجوازات. 

وحسب تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المنشور في تموز 2018، فإن أنشطة حزب الله في المطار عبر قيادات نافذة تابعة له، تتراوح بين تهريب السلاح، والإتجار بالمخدرات، وغسيل الأموال، لتوفير الدعم المالي لحزب الله وأنشطته العسكرية، خاصةً أن الحزب بات الآن يعاني من أزمة مالية خانقة في ضوء العقوبات الأمريكية المشددة عليه وعلى الحرس الثوري الإيراني.

وكبّد حزب الله في حربه ضد الشعب السوري الطائفة الشيعيّة في لبنان خسائر بشريّة كبيرة قدّرت بأكثر من ألف قتيل، وقلّما تجد أسرة في الجنوب لم تفقد أحد أبنائها في حرب خاسرة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

وتحالفت الأقليّة النصيريّة في سوريّة مع الأقليّة الشيعيّة في لبنان حلفاً مقدّساً في عهد الإمام موسى الصدر، فلمّا ثار الشعب السوري من أجل كرامته عام 2011، انحازت ميليشيات حزب الله الطائفيّة إلى جانب نظام بشار الأسد، وارتكبت بحق السوريين جرائم وآثام لا يمكن نسيانها، 

واستطاع الحزب تشكيل خلايا نشطة وشبكات استخباريّة في تجمّعات الشيعة بأمريكا الجنوبيّة وأفريقية الغربيّة وأستراليا، لتنفيذ المهام الخطرة وراء البحار.

ومما يؤسف له أنّ (حزب الله) وحلفاءه لم يقفوا من النازحين السوريين الذين دخلوا لبنان فراراً بدمائهم وأعراضهم الموقف الأخوي اللائق، وكانوا يظنون أن لبنان بيتهم الثاني، لكن خابت الآمال. 

واتهم السوريّون في لبنان بأنّهم مصدر الفوضى، وسبب تردي الوضع الأمني والاقتصادي، ولا يجد حزب الله وحلفاؤه طريقة لإنعاش الاقتصاد اللبناني سوى ترحيل السوريين إلى مناطق النظام على اعتبار أنّها مناطق آمنة، وتسليمهم للنظام لقتلهم أو سجنهم أو تجنيدهم لقتال إخوانهم.

وبعد هذا التغوّل على الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، والهيمنة على مفاصل الدولة اللبنانيّة، لم يكن أمام المواطن اللبناني المحاصر سوى النزول إلى الشارع، والتعبير عن غضبه واشمئزازه من الحالة التي وصل إليها.

وتمسّك الحزب بالحكومة القائمة ورفض إسقاطها، لا حباً في الحريري الذي بادر بتقديم استقالته، ورفض الشعارات التي حملها المتظاهرون، وفي مقدمتها: اجتثاث الطبقة الحاكمة الفاسدة من جذورها لأنهم لا يثقون بها وبإصلاحاتها، ووعودها.

وكان من البديهي أن يقف (حزب الله) موقفاً سلبيّاً من الحراك الشعبي اللبناني، لأنّ الحزب متهم في الأوساط الشعبيّة بأنّه سبب الفوضى والانفلات الأمني، والأزمة الماليّة والانهيار الاقتصادي، والمشاكل الاجتماعيّة المتفاقمة.

وهذا أمين عام الحزب يدعو المعتصمين لمغادرة الساحات، ويكلّف أعضاءه المندسين بين المتظاهرين بتفريقهم، والاعتداء عليهم، ولا مانع لدى الحزب من إلصاق تهمة العمالة لإسرائيل وأمريكا بالمشاركين في الاعتصامات السلميّة، والقول بأنّهم ضد المقاومة.

وها هو (حزب الله) وقد أصبح دولة داخل الدولة، يمهّد لحرب أهليّة مدمّرة جديدة، ليستر هزيمته وانسحابه من سوريّة، ويتخلّص من العقوبات المفروضة على رموز الحزب، ويتجنب فتح ملف اغتيال الرئيس الحريري الذي لا يذهب بالتقادم، وكأنّ لبنان الذي تجرّع الغصص والآلام خمسة عشر عاماً من الحرب الأهليّة، على استعداد لتكرار تجربته المرّة. 

 

الزيارات: 928