الأرانب المذعورة

نشر بتاريخ: الأحد، 23 كانون2/يناير 2005 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

عمّدت شعوبنا الاستقلال بالدماء وانتزعته من براثن الاستعمار، وتوارى أبطال الاستقلال بهدوء وقد ظنّوا أنّ مهمتهم قد انتهت بعد تسليم الأمانة، وحسبوا أنّ الوطن يسيرعلى درب الحريّة والتقدّم والرفاه، فجاءت حكومات انقلابيّة عسكرية ظالمة ساقت الشعوب المسلمة بسيف الاستبداد، والتهمت الحب من قلوب العباد حكّاما ومحكومين، والتفّ حول كل زعيم طائفة من أهل الأهواء والمصالح الضيّقة، كما يجتمع الذباب على الحلوى، وتشكّلت أحزاب احتكرت الحقيقة، ورسّخت معاني الاستبداد، وكانت شعاراتها الكبيرة سراب، وعاش الجميع في حقل تجارب الحكومات الثوريّة وما أفرزته من نظم جائرة كالأرانب المذعورة. 

وأدرك المتنوّرون من أبناء شعوبنا المأسورة وهي تئنّ تحت نير الاستبداد وأحكام الطوارئ والأحكام العرفيّة أنّ حريّتها قد سلبت، وأنّ شؤون البلاد قد أهملت، وأنّ تقدّمها أصبح بعيد المنال، في حين يسير العالم للأمام بخطى سريعة، وأنّ آسريها يمثّلون إرادة القوى الدوليّة التي تدور في فلكها.

إلاّ أن جزوة الحريّة ظلّت مشتعلة في ضمائر الأحرار، وخرج من تحت الرماد رجال وهبوا أنفسهم لتحرير أمّتهم من تسلّط حكام الجور والمفسدين، وفضّل آخرون السجن على الحياة في ظلّ دول لا تحكمها المؤسّسات الشوريّة، ولا الشرعيّة المنتخبة انتخابا حرّا، ولم يحنوا رؤوسهم لطاغية.

ووقف الإمام حسن الهضيبي شامخا كالطود خلال حكم الدكتاتور رمزا للصلابة، والثبات، والشجاعة رغم الشيخوخة والمرض، لأنّه آمن بحقّه في الحريّة وحقّ بلاده في الحياة، فجدّد ملحمة عمر المختار أمام سلطة الاحتلال عندما فضّل أن يموت شريفا وسيفه في يده، على أن يموت على فراش الدعة، الممزوج بالذل والعار. 

ورفض سيّد قطب أن يسترحم ظالمه بكلّ إصرار قائلا: إن إصبع السبّابة الذي يشهد لله بالوحدانيّة في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يقر به حكم طاغية. 

ومن هذه المدرسة خرّج الغنوشي على حكم الفرد رافضاَ الوصاية على الشعب لأنه ليس طفلا ولا سفيها، بل هو خليفة الله في أرضه، وأكّد على أن الجهاد من أجل الحريّة هو جهاد من أجل الإسلام، وأن من حق كل التجمّعات السياسية أن تتكتل لاستعادة الحريّة المغتصبة الموؤودة في العالم الإسلامي.

ورأى بديع الزمان النورسي أنّ الحريّة لا تتحقق ولا تنمو إلاّ بتطبيق أحكام الشريعة، ومراعاة آدابها، وأنّه في ظل الاستبداد لا يمكن أن يكون هناك حريّة، وأنّ على طلاب الحريّة أن يموتوا، أو يبقوا في السجون محتمين بالله تعالى قائلين: (حسبنا الله ونعم الوكيل).

فإلى متى تشقى شعوبنا المقهورة في حقل تجارب الأنظمة المشوّهة كالأرانب المذعورة؟

 وطوبى للغرباء. 

1/3/2005

الزيارات: 1082