القراءة ثم القراءة

نشر بتاريخ: الأحد، 02 نيسان/أبريل 2017 كتب بواسطة: بقلم: م.عادل فارس

الحمد لله الذي خلق، خلق الإنسان من علق، سبحانه علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم.
والصلاة والسلام على معلِّم الناس الخير سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين حملوا مشاعل النور إلى البشرية.
قد لا يختلف الناس نظرياً، في أهمية القراءة، فالقراءة هي الباب الأعظم لولوج ميادين العلم والفكر والثقافة، إنما يختلفون في مقدار ما يقرؤونه، وفي اختيار ما يقرؤون، وفي جعل قراءاتهم أكثر فائدة وأعظم فاعلية، وفي زرع حب القراءة في نفوس أولادهم وذويهم.
وسنتحدث – إن شاء الله – في ثلاثة حلقات عن القراءة.
في الحلقة الأولى هذه نجيب بإيجاز عن هذه الأسئلة: ماذا نقرأ؟ ولماذا نقرأ؟، ومتى نقرأ؟ وكيف نقرأ؟.
وفي الحلقة الثانية نناقش الخيار بين القراءة السريعة، والقراءة المتأنية، وإهمال القراءة.
وفي الحلقة الثالثة الأخيرة نتحدث عن قراءة الكتب لدى أبنائنا، كيف نحببهم بها، وكيف نوجههم إلى ما يناسب كل مرحلة من مراحل أعمارهم.

*  *  *  *  *

 

القراءة:

الآيات الأولى التي نزلت على نبينا محمد صلى الله علي وسلم كانت في الحضّ على العلم والقراءة النافعة... قال الله تعالى: “قرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربّك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم”.
ورسولنا المعلم صلى الله علي وسلم نبّه إلى فضيلة العلم والتعلم، وحذرنا من الجهل، فقال: "اغدُ عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلِك" رواه الطبراني.
وأمرنا سبحانه وتعالى أن نتفكر ونتدبر ونعقل... ولا يكون ذلك إلا بالعلم، ولا يكون العلم إلا بالقراءة والمطالعة المفيدة، فماذا نقرأ، ولماذا نقرأ، ومتى نقرأ، وكيف نقرأ؟ أسئلة يطرحها الإنسان على نفسه وإخوانه ليصل، وهم معه، إلى الغاية المرجوة من القراءة.

ماذا نقرأ؟

بين أيدينا كمٌّ هائل من الكتب، والمطبوعات، والدوريات، والصحف المتنوعة الأساليب والأهداف. هذه للتسلية وتزجية الوقت، وهذه لإكساب القارئ ثقافة علمية أو أدبية، وتلك لنشر ما يسمى بالأدب الرخيص والمتعة الغريزية المنحطة، وتيك تدعو إلى أهداف دنيوية وأفكار مادية، وغيرُها تهتم بالتربية على تعدد مشاربها، والاقتصاد على اختلاف أنواعه والتقريب بين المفهومات المتباينة الاتجاهات...
فما الذي نقرؤه، وما الأنواع التي ينبغي أن نغترف من معينها؟ إن نظرة متأنّية إلى ما حولنا تجعلنا نقسّم الناس إلى قسمين:
القسم الأول: يعيش لحاضره غيرَ عابئ بأمسه الدابر، ولا مستقبله الزاهر، يريد أن يعيش متمتعاً بما هو فيه، منغمساً بما يراه، بهيميَّ التفكير، آنيّ اللذة.
والقسم الثاني: يرى نفسه في حلقة متصلة بما سلف، متعلقة بما يأتي، لم يُخلق عبثاً، إنما هي رحلة محدودة الهدف، مرسومة الخطا، وهو إحدى نِقاطها، وآليةٌ مهمة في حركتها، فإما أن يكون نكرة كالقسم الأول، وإما أن يكون عاملاً أساساً في مسيرة الحياة.
ولابد أن يكوّن نفسه ليكون عاملاً إيجابياً يدفع في الاتجاه الصحيح... فتراه ينأى بنفسه عن القراءة السطحية وغُثاء الكمّ المتدفق من الكتب المضرّة والموضوعات التافهة، ويلتزم ما يرفع مستواه علماً وفكراً وأدباً وثقافة، على الصعيدين الديني الذي يربطه بالله واليوم الآخر، وما ينتج عنه من خير في هذه الدنيا، وعلى صعيد الحياة المستقبلية الدائمة التي نسعى إليها راغبين فيها.
وأول ما نقرؤه كتاب الله سبحانه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة النبيّ صلى الله علي وسلم، والعلوم الإسلامية الأخرى، ثم العلوم النافعة التي تساعد على بناء الحياة الدنيوية السليمة النظيفة للمجتمع الإسلامي المنشود، ثم كتبُ الأدب النظيف.

لماذا نقرأ؟

القراءة سبيل إلى الإمتاع والإقناع. يقرأ أحدُنا الأدب الرفيع من شعر ونثر وعاطفة وصور بديعة وأفكار رائعة فيتمتع بها. فهي غذاء القلب. ويقرأ الموضوعات العلمية بما فيها من براهينَ دقيقة، وحُجَجٍ دامغة، وتجاربَ واعية، وطرقٍ صحيحة، فيقتنع بما يقرأ، فهي أيضاً غذاء للعقل والفكر. يحمل القيم العليا، والعاطفة المتدفقة، يؤمن بها ويسعى إلى بثّها ونشرها ويعمل دائباً على إفادة مجتمعه بها. يقرأ الطيّب من الأفكار والآداب فيتمثلها ويعمل بها، فتتأصل في نفسه ليكون داعية إليها، وهذا بيان قوله قوله تعالى: “قرأ باسم ربّك الذي خلق”، إنها القراءة التي تجعل من المسلم نبعاً فياضاً، وسلسبيلاً حلواً، يعلّم الناس ويدلّهم على الصراط المستقيم.

متى نقرأ؟

لابد للقراءة من أوقات هادئة يخلو بها الإنسان إلى نفسه بعيداً عن هموم الحياة وضغطها المتواتر، فالحياة مسؤولية تورث متاعب، والمسلم الجيد من يلجأ إلى القرآن الكريم، فيناجي به ربه، ويسأله العون والسداد، وان يلهمه الهدى والصواب. وقد ذكر القرآن الكريم لنا أوقاتاً للمناجاة الواعية والتدبر والفهم، فقال تعالى: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً”، وقال سبحانه: يا أيها المزمل قُمِ الليل إلا قليلاً”، وقال أيضاً: “ن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقومُ قيلاً”، وقال كذلك: واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً”... هذه الأوقات يخلو بها الإنسان من مشاغل الحياة وتبعاتها، فإما أن تكون صباحاً قبل العمل، وإما أن تكون بعد الانتهاء منه، وهذا ينطبق على القراءة المفيدة أياً كان نوعها، فالزمن المناسب للقراءة يساعد على أمرين اثنين:
الأول: قراءة كمية مناسبة.
الثاني: فهمُ ما تقرؤه وحفظُه والتفكير فيه.

كيف نقرأ؟

يُذَكِّرني قولُ ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا نقرأ عشر آيات فلا نتعداها إلى غيرها حتى نحفظها ونعمل بها" يذكّرني هذا القول بطريقة مثلى للقراءة الواعية المتدبرة. فنحن حين نقرأ نضع في حسباننا ما يلي:
أولاً: القراءةَ الفاهمة الواعية، والتفكيرَ فيما نقرأ. فإن كان ما نقرؤه كتابَ الله وسنةَ نبيه صلى الله علي وسلم كان همُّنا فهمَ ما فيهما من تعليمات وتوجيهات وأحكام، ومعرفةَ الحكمة والفائدة ما أمكن. فرسائل ربنا ما كانت للتلاوة والترتيل فقط، إنما كانت للوعي والإدراك والتمثل لها. وإن كان ما نقرؤه كتُبَ العلم والأدب تخيّرْنا منه ما يوافق منهجنا التربوي الفكري الأخلاقي، وتدبرناه لأنه عُصارة التجربة الإنسانية.
ثانياً: تطبيقُ هذه الرسائل على الواقع ومعايشتُها حياةً واقعة، والدعوةُ إليها... فبذلك ننقلها من بطون الكتب وعالم المثال إلى عالم التجربة والحياة... وهنا تكمن الفائدة الحقيقية للقراءة، وإلا فما فائدة القواعد الإيمانية والفكرية إذا قرأناها وحفظناها في العقول والأذهان دون أن نحياها واقعاً ملموساً يفيض بالعطاء على الإنسانية جمعاء. 

 *  *  *  *  *

القراءة السريعة، والقراءة المتأنية، وإهمال القراءة!

لابد ان نؤكد ابتداءً أن القراءة غذاءٌ للنفس والعقل، لا يجوز إهماله مطلقاً... وأن أولى الناس بالقراءة والاهتمام بها هم أبناء الدين الذي كانت كلمته الأولى: “قرأ”.
وإن نظرة سريعة إلى تاريخ هذه الأمة تُرينا أن مجدها كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالقراءة. فهذه الأمة التي كانت توصف بالأمّيّة، يوم تنزل عليها القرآن، هي التي تطورت – بفضل هذا القرآن العظيم – لتصبح أمة العلوم والمعارف، وتنشط فيها حركة التأليف والتصنيف والترجمة، وتنشأ فيها المكتبات الكبيرة.
وبقي الأمر، على مرّ التاريخ واختلاف الثقافات، يربط بين تقدم كل أمة والقراءة، ولا يحسبنّ متعجّل أن زمن القراءة قد ولّى بعد انتشار الكمبيوتر والإنترنت والفضائيات.
ولا بأس ههنا أن نثبت بعض النقاط:
1- هناك فعلاً من الناس من أهمل القراءة وانشغل عنها بالكمبيوتر ووسائل الثقافة والترفيه الإلكترونية.
2- وهناك من استبدل بقراءة الكتاب، القراءةَ  في الإنترنت. وهذا الصنف ما يزال في عِداد القرّاء، ولعل بعض أفراد هذا الصنف ممن يقرأ بشغف ونهم، بل يؤلف كذلك ويكتب البحوث والمقالات الأدبية والاجتماعية والسياسية.
3- حتى هذا اليوم، وربما في المستقبل المنظور كذلك، ما يزال للكتاب والمجلة دور فعّال لدى الذين يحترمون عقولهم، ويحرصون على تنمية فكرهم وثقافتهم. وإن نظرة عابرة يلقيها الزائر إلى بلاد انتشر فيها الكمبيوتر والإنترنت انتشاراً هائلاً كالولايات المتحدة وفرنسة والسويد... تُظهر أن الناس ما يزالون يهتمون بالقراءة في الصحف والكتب، كما يهتمون بالقراءة في الوسائل الإلكترونية أو أكثر، فما من رحلة في قطار من قطارات الركاب إلا وتجد فيها عدداً من الرجال والنساء، الشبانِ والمسنّين... بأيديهم كتب ومجلات وقصص يقرؤونها بدأب ومتابعة طوال الرحلة.
بل إن التطور السريع والباهر في فنون الطباعة من تنضيد وتلوين وتجليد... ما كان له أن يَحْدُثَ لو أن العصر قد تجاوز القراءة في الأوراق.
وعلى كل حال ليس حديثنا في المفاضلة بين القراءة في الكتاب، والقراءة على الشاشة الإلكترونية، إنما في تأكيد أهمية القراءة أولاً، ثم في بيان مزايا القراءة السريعة والقراءة المتأنية.
إذا سلّمنا بأن القراءة رافد من روافد الثقافة وبناء الشخصية، فإن الكم الهائل لما تقذف به المطابع ودور النشر من كتب وصحف ومجلات، يجعل القارئ في حَيْرة بين قراءة متأنية متفحصة تجعله يفهم جيداً ما يقرؤه، ولكنه يحصره في حجم ضئيل ضئيل ضئيل، مما ينبغي أن يطلع عليه، وبين قراءة عاجلة سريعة تمكّنه من الاطلاع على حجم مناسب مما يُنشر، لكنه يحول بينه وبين الفهم الدقيق!!.
فهنا لابد من مناقشة مسألتين:
الأولى: أي الخيارين أفضل؟ وهل هناك خيار ثالث؟!
والثانية: في حال القراءة السريعة، كيف يتدرب المرء عليها ويزيد من جدواها؟!
ففي المسألة الأولى: نرى أنه لابد من الجمع بين الخيارين معاً:
فقراءة البحوث الجادة في النحو والبلاغة والفقه والأصول... وفي الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتشريح، وفي العلوم الإنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع... لابد أن تكون قراءة متأنية متفحصة... ولا يكاد يجدي فيها التصفُّح السريع العاجل، بل قد يحتاج القارئ إلى إعادة العبارة والربط بينها وبين ما قبلها، بل كثيراً ما يحتاج القارئ في مثل هذه العلوم – لا سيما في المراحل الأولى من تعلمها – إلى التلقي على أيدي العلماء والمختصين، والاستعانة بهم على حل عبارة عويصة، أو فكرة دقيقة، أو نظرية معقّدة.
أما كثير من كتب الأدب والمجلات والمقالات السياسية... فيُكتفى فيه بالقراءة السريعة، بل إن هذه الطريقة في تناول هذه الكتابات هي الطريقة الوحيدة الفعالة، وبدونها سيغرق القارئ في بقع صغيرة تَشْغَلُه عن بحار واسعة من الفكر والثقافة والأخبار.
وهنا يأتي دور المسألة الثانية: كيف أتدرب على القراءة السريعة المجدية؟!
بعد أن يكون اختيارك سليماً، بأن تخصص القراءة السريعة للكتابات التي تناسبها، إليك هذه النصائح:
1- عوّد نفسك أن تنقل عينيك بسرعة فوق الكلمات، فتقرأ الكلمتين والثلاث دفعة واحدة، وقد تقفز عن بعض الكلمات، ولا تتوقف عند كلمة محددة أو جملة، إلا إذا وجدت مسوّغاً خاصاً لذلك. ستضيع عليك بعض الأفكار. لا بأس. إن كثرة القراءة والتدريب ستزيد من قدرتك على الفهم، وستعوض لك ما فاتك.
2- قد تستغني بقراءة العنوان عن قراءة المضمون، وقد تحتاج إلى قراءة فقرة واحدة أو اثنتين – قراءة عاجلة – في بداية المقال، وقد تجد حاجة إلى قراءة الفقرة الأخيرة التي تلخّص الفكرة وتسجّل النتائج.
3- بل عندما تقرأ كتاباً، ابتدئ بتقليب الصفحات وقراءة أسماء الأبواب والفصول خلال دقائق معدودة، ثم اختَرْ بعض موضوعات أثارت انتباهك. وقلّ أن تجد كتاباً يستحق أن تقرأه كلمةً كلمةً من المقدمة إلى الفهرس (باستثناء كتب العلوم التي ذكرنا أنه لا يناسبها إلا القراءة المتأنية).
4- عندما تقرر أن مقالاً أو فصلاً في كتاب، أو كتاباً بكامله، يحتاج إلى قراءة متأنية فاختر الوضع المناسب للقراءة قدر الإمكان: ابتعد عن الضجيج والضوضاء، واجعل الإضاءة جيدة، واجلس الجِلسة المريحة، وأمسك بيدك قلم رصاص لتخط بعض الخطوط الخفيفة إزاء عبارات وفقرات خاصة، وقد تحتاج إلى دفتر تدوّن فيه بعض الملاحظات أو الاستفسارات.
5- اجعل القراءة – بأطيافها المختلفة – عادة مستحكمة عندك. ورتّب أولويات ما تقرأ، واحرص على قراءة كتاب واحد – في أقل تقدير – في كل علم من العلوم التي تهمك، وكل باب من أبواب المعرفة، أما في العلوم التي تدخل في مجال اختصاصك فاحرص على قراءة أمهات الكتب فيها والموسوعات وقل: ربي زدني علماً”.

 *  *  *  *  *

أولادك وقراءة الكتب:

أظنك تحب أن يقرأ أبناؤك الكتب والمجلات، ولكنك قد تعاني مشكلات حيال ذلك: فلعلّ بعضهم لا يحب القراءة، ولعل بعضهم يقرأ ولا يستفيد مما يقرأ، ولعل بعضهم يقرأ ما يؤذيه ولا ينفعه!.
من هنا نجد من المفيد وضع بعض القواعد والمؤشرات التي تؤدي إلى تحسين علاقة أولادك بالقراءة نوعاً وكمّاً :
1- عندما تتوافر الكتب والمجلات في البيت، فهذا سبب محرّض لأولادك على القراءة.
2- وعندما يكون الأبوان مهتمين بالقراءة، أكثر من اهتمامهما بالتفرج على التلفاز، وأكثر من قطعهما الأوقات في أحاديث قليلة النفع... فإن هذا يجعل أمام الأولاد قدوة حسنة تحببهم بالقراءة.
3- وعندما يعين الأب (أو الأم) ولده على القراءة ويحببه بها يكون لذلك دور إيجابي، كأن يحكي له عن فحوى إحدى القصص، أو أهمية أحد الموضوعات، ويقول له: إن هذا الكتاب (أو هذه المجلة) يتحدث عن هذا الموضوع. بل قد يفتح الأب الكتاب ليقرأ أمام ولده بصوت عالٍ، ونبرة تدل على التفاعل مع الموضوع، وتعليقات على بعض الفقرات، وشرح لبعض الكلمات... فكل هذا يحمل آثاراً إيجابيةً محببة بالقراءة!.
4- وعندما يكون الكتاب جذّاباً يكون أكثر تشويقاً. والجاذبية هنا تأتي من شكل الكتاب، وتأتي من مضمونه. وهذا وذاك يتأثران جداً بالمرحلة العمرية التي يكون الولد فيها. فصحيح أن الكتاب الأنيق ذا الصور الملونة أكثر جاذبية من غيره، لكن الصحيح كذلك أن نوع الورق والطباعة وحجم الحرف واختيار الصور وألوانها... تختلف كثيراً في جاذبيتها بين طفل في الخامسة من عمره، وآخر في الثانية عشرة، وثالث في العشرين. ومن باب أولى فإن الموضوعات التي تناسب مرحلة عمرية لا تناسب بالضرورة مرحلة أخرى. وبشكل خاص فإن مراحل النمو الأولى تتطلب ألواناً متبدلة من الموضوعات تناسب كل مرحلة، فبينما لا نكاد نميز بين ما يناسب ابن السابعةَ عشرةَ وابن العشرين، نجد أن التمييز مهم بين سنة وأخرى في سني الطفولة الأولى.
هناك مثلاً الكتب التي تناسب الطفل في السنة الثالثة، وهي كتب صغيرة الحجم، متينة الأوراق، زاهية الألوان، مملوءة بالصور، خالية من الكلمات المكتوبة أو شبه خالية...
والطفل بدءاً من السنة الثانية من عمره يحب سماع القصص، وفي الثالثة يمكن لأبيه أن يمسك أمامه بالكتاب الذي يحوي قصة، ويقرأها له إذا كانت مكتوبة، أو يريه الصور وينشئ له كلاماً يربط بين الصور ويشكّل القصة.
وفي الرابعة يستمر معه ذلك، مع بروز الرغبة في الاستماع إلى قصص المغامرات.
وفي الخامسة يحب الطفل القصص، ومعها التزود بمعلومات عن المحيط الذي يعيش فيه.
وفي السادسة والسابعة يحب القصص الشعبية.
وفي الثامنة والتاسعة يميل إلى قصص السيرة والتراجم والتاريخ.
وفي العاشرة والحادية عشرة يحب قصص العظماء والمغامرات... وهكذا وهكذا.
وبالطبع فإن الأعمار المذكورة وما يناسبها ليست قطعية أو حدّية، بل تختلف بعض الاختلاف بين ولد وآخر، ومجتمع وآخر.
 هناك كتب ضارّة فلنحرص على تجنُّبها وإبعادها عن أولادنا، ومنها القصص والكتب التي تمجّد الجريمة وتحبّب بالمجرم، سواء تعلقت بجرائم القتل والاعتداء الجسدي أو جرائم السرقة، أو الجرائم الجنسية، أو الجرائم السياسية... ومنها الكتب التي تثير الرعب، أو التي تخدم عقائد باطلة كالأساطير اليونانية التي تتحدث عن صراع الآلهة!. أو كتب السحر والشعوذة، أو أي كتب تتنافى مع العقيدة الصحيحة والقيم السليمة.
هناك القصص المناسبة للطفل في الدقائق التي تسبق النوم، وهناك كتب مطبوعة تحوي أمثال هذه القصص.
ومن المناسب أن تختار الأم (وأحياناً الأب) القصة المناسبة وتسردها بأسلوب هادئ على طفلها قبيل النوم، وأن تكون القصة متناسبة مع بعض القيم العليا التي تريد غرسها في طفلها كالأمانة والشجاعة والنظافة والصدق...
ومن المناسب كذلك أن تذكر له أن هذه القصة موجودة في هذا الكتاب، كي تحببه بقراءتها وقراءة أمثالها بنفسه... أي لتحببه بالقراءة فيما بعد.
أخيراً، إن الأمة التي ابتدأ وجودها مع نزول كلمة " اقرأ " جديرة بأن تهتم بالقراءة، وأن تزرع حب القراءة في نفوس أبنائها.

*  *  *  *  *

الزيارات: 3039