محمد أنور شاه بن معظّم شاه الكشميري

نشر بتاريخ: السبت، 26 تشرين1/أكتوير 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

كان دقيق النظر في طبقات الفقهاء والمحدّثين ومراتب كتبهم، منصفاً في الحكم عليهم

علاّمة محدث نابغ، شيخ الحديث بدار العلوم، فقيه حنفي محقّق، مؤرّخ مفسّر، مؤسّس الجامعة الإسلاميّة، من أبرز علماء عصره في قوة الحفظ وسعة الاطلاع، وكان أحد الذين لعبوا دوراً هاماً في القضاء على فتنة القاديانية في شبه القارة الهندية، من أعلام الديوبونديّة. 

ولد في في بيت جده عن أمه في قرية دودوان، بالقرب من كوب واره في وادي لولاب في كشمير، نشأ في بيت علم وصلاح، قرأ القرآن الكريم، واكتسب العلوم الإسلاميّة والمعارف بالجدّ والمطالعة، ودرس اللغة العربيّة وعلومها على علماء بلاده، وأتقن الأردية والفارسية وبرع في العلوم الإسلامية وقرض الشعر بالعربي.

 

درس على الشيخ غلام رسول الهزاروي كتباً في الفقه وأصوله ولما بلغ السابعة عشرة من عمره سافر إلى بكلي، وقرأ على أساتذتها شيئاً من الفقه والأصول والمنطق، ثم سافر إلى ديوبند، ودرس علوم القرآن والسنّة، وجميع كتب الحديث على الشيخ محمود حسن الديوبندي، وعلى رشيد أحمد الكنكوهي، ومحمد قاسم النانوتوي، ومحمد إسحاق الكشميري، وتخرّج منها عالماً كبيراً في شتّى العلوم سنة 1303 /1886.                                               

سافر إلى كشميرفي عام 1319/     وأقام بدعم أحد أثرياء مقاطعة «باره مدرسة دينية باسم (فيض عام) وبدأ يدرس فيها ويخطب ويعظ الناس ويعلمهم الدين إلا أنه أحس بأن البيئة لا تلائم مع ما يريد من الإصلاحات الدينية والتعليمية والأخلاقية.

تولى التدريس بالمدرسة الأمينية بدهلي، ثم توجّه للحج سنة 1323/1906 وأقام في مكة المكرمة لعدة أسابيع ثم قصد مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد زيارة الروضة المطهرة أقام في المدينة وسعد بلقاء العلماء، وزار بعض المكتبات، واطّلع على بعض نوادر المخطوطات، وأسند الحديث إلى صاحب الحميديّة الشيخ حسين بن محمد الجسر، ثم رجع إلى الهند وأقام بديوبند، وفوّض إليه أستاذه محمود الحسن إدارة دار العلوم الديوبنديّة، وتدريس مادة الجامع الصحيح لمسلم، والنسائي، وابن ماجه، وعيّنه رئيسا لهيئة أعضاء أساتذة دارالعلوم وجعله شيخ الحديث، وبعد ذلك بدأ يدرس العلوم الدينية خاصة الحديث حيث ذاع صيته في كل أنحاء الهند وبدأ الطلبة يتوجهون إلى هذه الدار من كل حدب وصوب.

وبعد استقالته من دار العلوم، سافر إلى قرية في نواحي سورت تسمى دابيل بولاية كوجرات بالقرب من مدينة بمباي في نهاية سنة 1346/1928 في جماعة من أصحابه وتلاميذه، وأسّس له بعض التجار (الجامعة الإسلاميّة) و(المجلس العلمي) للتأليف والنشر والترجمة. 

وعكف على التأليف، وصنف رسائل وكتباً بلغت نحو أربعين مؤلفا معظمها بالعربيّة منها: (فيض الباري شرح صحيح البخاري) في أربعة مجلدات، (عرف الشذى على جامع الترمذي) و(مشكلات القرآن) و(نيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين) و(فصل الخطاب في مسألة أم الكتاب) و(ضرب الخاتم على حدوث العالم) و(خزائن الأسرار).

كان إمامًا في علوم القرآن والحديث، وحافظًا واعيًا لمذاهب الأئمة مع إدراك الاختلاف بينهم، وقادرًا على اختيار ما يراه صوابًا، ولم يقتصر في مطالعته على كتب علماء مدرسة بعينها - مع أنه كان حنفيًا - وإنما قرأ لعلماء مدارس مختلفة لهم انتقادات شديدة فيما بينهم، مثل الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم وابن دقيق العيد والحافظ ابن حجر - رحمهم الله -، وقد أحاط بكتب أهل الكتاب من أسفار العهد الجديد والقديم، وطالع بالعبرية وجمع مئة بشارة من التوراة تتعلق برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. 

أثنى عليه صاحب (نزهة الخواطر) فقال: كان نادرة عصره في قوّة الحفظ، وسعة الاطّلاع، والرسوخ في العلوم العربيّة والدينيّة والتفسير وعلوم الحكمة، وكان دقيق النظر في طبقات الفقهاء والمحدّثين ومراتب كتبهم، منصفاً في الحكم عليهم، يعترف لشيخ الإسلام ابن تيميّة بالفضل والنبوغ. 

وقال المحدث علي الحنبلي المصري رحمه الله: ما رأيت عالمًا مثل الشيخ

أنور الذي يستطيع أن ينقد على نظريات الحافظ ابن تيمية والحافظ ابن حجر وابن

حزم والشوكاني رحمهم الله، ويحاكم بينهم ويؤدي حق البحث والتحقيق مع رعاية

جلالة قدرهم.

وكان الكشميري يقول: ما رأيت مسألة في الفقه الحنفي لم تكن لها حجج مؤزّرة أزيد من مذاهب الأئمة أو مساوية لها.

وكان تلميذه محمد شفيع المفتي الأكبر لباكستان يقول لتلامذته – أخذاً من مسلك الإمام الكشميري -: (لا بأس بأن تكونوا حنفية في مذهبكم الفقهي، ولكن إياكم أن تتكفلوا بجعل الحديث النبوي حنفياً). 

ولمّا ظهرت فتنة القاديانيّة في القارّة الهنديّة لم يدخر جهدًا في إيجاد الطرق الكفيلة للقضاء على هذه الطائفة فأيقظ العلماء من النوم العميق في أنحاء العالم، وحثهم على القيام بواجبهم في القضاء عليها بالتبليغ والتصنيف، وهيّأ لأصحابه وتلامذته تأليف كتب ورسائل ضد هذه الطائفة الكاذبة باللغات المختلفة.

وفضح أباطيل القاديانيّة وألّف الكتب والرسائل في كشف زيفها، ومنها: (إكفار الملحدين) (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) و(تحية الإسلام في حياة عيسى - عليه السلام) و(عقيدة الإسلام في حياة عيسى) و(خاتم النبيين).  

نفى النسخ في القرآن الكريم وقال: "لا يوجد في المنسوخ من الآيات القرآنية شيء يبقى حكمه في درجة من الدرجات، فإن الحكم المنسوخ يتم العمل به في مكان وزمان وفي حال من الأحوال، ويكن نافعا ومؤثرا وجالبا للنفع. وأؤمن بأنه ليس هناك حرف زائد في القرآن الكريم وعلى سبيل المثال «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِن اللهِ لِنْتَ لَهُم »وعامة قال الناس أن «ما» زائدة، ولكنه ليست بزائدة فإن الله قد منّ على مخلوقه فبعث محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وجعله لينا شفوقا. ويوضح هذا الحرف تلك النعمة الكبرى على الإنسانية ولو نتجاهل حرف «ما» فلن يتضح عظيم نعمته عزوجل، ولذا أرى أنه ليس شيء منسوخ في القرآن الكريم.

وعكف على الدرس والإفادة، وكانت لذّته في المطالعة، حتى حدثت فتنة في المدرسة سنة 1346 ألجأته إلى الاعتزال عن رئاسة التدريس وشياخة الحديث فيها، وغادر ديوبند إلى ذابهيل قرية جامعة من أعمال سورت في جماعة من أصحابه وتلاميذه، وأسس له بعض التجار مدرسة فيها سموها الجامعة الإسلامية فعكف فيها على الدرس والإفادة، وانتفعت به هذه البلاد، وأمه طلبة علم الحديث والعلماء من الآفاق، توفي بديوبند، ليلة 29 محرم 1352، ودفن في حديقة قريباً من بيته عند مصلّى العيد، 

كتب في سيرته محمد يوسف البنوري في كتابه (نفحة العنبر في حياة إمام العصر الشيخ أنور). 

 

 

___________________________________________________________ 

(1) علماء العرب في شبه القارة الهندية ص 833 يونس السامرائي. (2) نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر م 3 ج 8  ص 1198عبد العلي بن عبد الحي الحسني. (3) الموقع الرسمي لأهل السنّة والجماعة في إيران، مقال: محمد أنور شاه الكشميري.. المحدّث الكبير، تاج الدين الزهريز. (4) مجلّة الداعي ـ ديوبوند محرّم 1432/ديسمبر 2014، العلامة أنور شاه الكشميري: أضواء على حياته وآرائه في علم التفسير، عبد الرحمن طيب.

 

الزيارات: 2246