أمّة واحدة

نشر بتاريخ: الأحد، 05 آب/أغسطس 2018 كتب بواسطة: الكاتبة الإسلاميّة: رقية القضاة

على الرغم من كل الأسافين التي تم دقها بين الأمم والشعوب المسلمة وبالأكثر بين الأمة التركية والعربية وعلى الرغم من إسقاط الخلافة في ظروف استعمارية وتآمرية طويلة الحديث مؤلمته إلا أن نداء الله الخالد الموحد الوحدوي المؤاخي (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ظل في أعماق النفوس تتوارثه الأمة جيلا بعد جيل وتسعى إلى جعله واقعا ملموسا وسلوكا محسوسا وقوة مرجوة وحضارة مأمولة رغم كل العراقيل التي وضعها الاستعمار والاستشراق والجهل والوهن والظلم والبعد عن شرع الله والاستكانة لغير حكمه والرضى بشرعة غيره تحت مسميات أقل ما يقال فيها أنها خبيثة هدامة، ماكرة، مفرقة، موهنة للأمة وعناصر قوتها حتى صرنا أمة في ذيل القائمة، حين تذكر القوة والتقدم والعلم وفي رأس القائمة حين تتهم (الايديولوجيات) والحركات والحضارات تجنيا من الآخر واستخفافا منه بمقوماتنا.

 

وهي مقومات يعرف الآخر حق المعرفة أنها لو أتيح لها الانطلاق من جديد لأقالت العثرة وصححت الهفوة، وأعادت الإشراقة الحضارية القوية إلى أمة الإسلام.

ولذا فهو يسعى إلى تغذية الفرقة وتوسيع الهوة بين الأمة الواحدة ذات المعبود الواحد ويقلقه ويقض مضجعه أن يرى اللحمة تعود من جديد بين شعوب الأمة بمختلف مناشئها ومشاربها ومواطنها مرتكزة الى أخوتها الاسلامية القرآنية الشرعية.

أقول هذا وأنا أرقب كما يرقب غيري وإن (اختلفت النظرات التي ترقب) ذلك التقارب التركي العربي الإسلامي والإسلامي الإسلامي في خطوات تبعث على الأمل والرجاء أن تكون صحوة الأمة خطوات صائبة تتبعها خطوات موفقة بإذن الله.

واستذكرت في هذه الايام التي شهدت فوز رجب طيب اردوغان في الانتخابات التركية ،استذكرت خطابه الذي القاه قبل اعوام، في حفل تسلمه الدكتوراه الفخرية من جامعة أم القرى في مكة المكرمة، إذ انطلقت كلمات الرجل الحكيم مؤكدة على معاني الأخوة الاسلامية ومظاهرها في تركيز واع على دور الشباب في التغيير الإيجابي على الساحة الإسلامية والإنسانية مطالبا الأمة ألا ترضى بالذيلية والانهزامية والتقليد والوهن والتفرقة.

والرجل يدرك أن أقواله كلها تلقى صدى واسعا في النفوس الظامئة إلى الوحدة و التآلف والقوة والتآخي والتغيير باتجاه الأفضل والأصلح للأمة وهي كلمات ترصدها نفوس يقلقها هذا التقارب كما ذكرنا وهو يسوق تجربته وإخوانه المخلصين في بلاده في إشارة لطيفة إلى دور الهمة وعلوها والتفكير الواسع الشامل والخيال الإبداعي العملاق والقيادة لا التقليد والعمل المنتج الملموس ومحاسبة الذات وتوجيه اللوم على حالة الضعف والتراجع إليها قبل توجيهه إلى غيرها وهو يؤكد في هذا على أن الآخر لن يعطينا حقا ولن يمكننا من تقدم ولن ينزلنا منزلتنا إلا إذا فرضنا عليه وجودنا وأثبتنا له مقدرتنا وقوة إرادتنا وعزيمتنا وحينها ننتزع انتزاعا ما انتزع من أيدينا في حالة ضعفنا وتفرقنا في تلك السنين الواهنة العجاف التي انتصبت فيها في نفوس أبناء الأمة الكثير من الأصنام التي أوقفت مسيرتها العالمية الحضارية

ولقد أشار إليها أردوغان داعيا الأمة إلى كسر هيبة وهيمنة هذه الأصنام المثبطة المعرقلة لمجد الأمة وتقدمها وهي ليست دائما أصنام بشرية بل ربما كان أكثرها شحا مطاعا وهوى متبعا وأفكارا مضللة وحركات هدامة، تلقى آذانا صاغية هنا وهناك وأتباعا مضللين بولاء أعمى وسعي دؤوب على ترسيخها في النفوس لتصبح منهجا متبعا بديلا لشرع الله الحكيم.

وفي إشارة واضحة إلى خطر اللجوء إلى الآخر طلبا لحل مشكلاتنا دعا إلى أن تكون حلول مشكلات الأمة من داخلها في إطار الأخوة كي لا نقع فيما لا تحمد عقباه وليس الاستقواء بغيرها فالتغيير الصالح يستند إلى العلم والمعرفة والنوايا المخلصة مؤكدا على دور الشباب الواعي المدرك للأمور في تغيير وجه الحاضر الضعيف الحزين المتخاذل إلى غد مشرق مستندا إلى ماضيه الجميل الأصيل لافتا إلى أن التغيير لا يعني تغيير الأشخاص بل إن التغيير هو في الأساليب والطروحات والنظرة الواسعة الشاملة إلى متطلبات الواقع الصعب للأمة.

موضحا أن خدمة الإنسانية ممكنة ومتاحة في جميع المواقع والمجالات ولا تنحصر في موقع واحد مؤكدا على أنه لا يضمن إنسان بقاءه أو غيره في منصب أو موقع واحد مدى حياته بما في ذلك هو شخصيا مذكرا بحديث الشريف (خير الناس انفعهم للناس).

وكما مر خطاب أردوغان الطيب على النفوس الطيبة كنسمة طيبة تسبق الغيث المرجو فهو بالتأكيد قد مر على النفوس الخبيثة المتربصة بالأمة الدوائر كلفحة جهنمية مخلخلة لسلسلة القيود التي فرضت على تفكير الأمة ومقدراتها وأخوتها وترابطها وكلنا يعرف أن الرجل يتكلم من منطلق قوة وضمن تجربة ناجحة في مجال خدمة بلده وتميزها في كافة مجالات التقدم والبناء ومن منطلق حرصه الأكيد على إعادة أمته الإسلامية إلى مكان الصدارة الذي لا يليق إلا بها كما تمليه عليه خلفيته الإسلامية ومبادئه القويمة التي سعى مع المخلصين من أمته وعبر أبناء أمته إلى جعلها منطلقا قويا لمسيرتهم الحضارية والثقافية في حرص كامل على توثيق روابط الأخوة بين شعوب وأنظمة الأمة الواحدة بعيدا عن اجترار الماضي والإعادة والتكرار والتركيز على كل ما يفرق ولا يجمع مركزا على مقومات الوحدة والبقاء والتميز أخذا بقوله سبحان وتعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) اللهم اجمع كلمة الأمة على دينك يا رب العالمين.

الزيارات: 1181