الهزيمة النفسية

نشر بتاريخ: السبت، 05 كانون2/يناير 2019 كتب بواسطة: بقلم: عبد العزيز الحسيني

[باختصار، من مقال منشور في مجلة البيان – العدد 218 ]
الهزيمة النفسية سقوط حضاري لا يضاهيه نوع آخر من الهزائم العسكرية التقليدية. وخطورتها تكمن في كونها استعماراً للعقول والقلوب، قبل أن تكون استعماراً لخيرات الأرض ومقدراتها.
وعلى شدة وقع الاستعمار العسكري فإنه وسيلة قوية لإيقاظ الأمة من غفلتها، وتقوية لُحمتها، وتحرّك غَيرتها، وإحياء حميّتها الدينية، وفي النهاية طال هذا الاستعمار أم قصُر فإن مصيره الرحيل.
أما الاستعمار النفسي فيتغلغل في نفوس أبناء الأمة دون أن يدركوا أثره وخطره، بل دون أن يشعروا بإصابتهم به!.


ولأثر هذا الغزو النفسي فقد فطنت بعض الدول إلى أهميته حتى غدا عنصراً مهماً في الحملات الفكرية والإعلامية الموجّهة للدول المغزوّة أثناء الصراعات الحضارية، كي يدب فيها الوهن ويدوم اليأس.
من أسبابها:
لعل من أهم أسباب هذه الهزيمة النفسية التي أصابت الأمة المسلمة، بُعد كثير من المسلمين عن دينهم، وجهلهم بحقيقته، ومرارة الواقع الذي يعيشونه، وخذلان المسلمين بعضهم بعضاً، وعدم اتحادهم أمام قوة أعدائهم، وعدم إدراكهم لأسباب المد والجزر في تاريخ أمتهم، وعدم إلمامهم بعوامل النصر والهزيمة، وتأثرهم بوسائل الإعلام الموجهة إليهم التي يحرص الغرب من خلالها على إبراز أنشطته العسكرية وقدراته الحربية واستعراض أسلحته وتقنيته المتطورة، وإشهار اكتشافاته العلمية وغزوه للفضاء الخارجي، ونحو ذلك من الأمور التي تُعزز مكانته وتوهن غيره وتوحي له بالعجز واليأس، بالإضافة إلى ما يرونه من هيمنة أعدائهم على معظم المنظمات والبنوك والهيئات الرسمية واستغلالها لإخضاع الدول الإسلامية، وإخضاع بعضها بالعقوبات والمقاطعات الاقتصادية، وأحياناً بالقوة والتدخل العسكري.
مثل هذه الأمور مجتمعة ولّدت هزائم نفسية متتابعة، كان الغرب يهدف إليها ويغذّيها بشتى وسائله الإعلامية والسياسية والاقتصادية، ليستمر التخدير ويدوم الخنوع.
وتجاوز الأمر قنطرته وأثّر رَجْعُ ذلك الصدى في بعض أبناء جلدتنا الذين أكدوا هذه الهزيمة وعزّزوها بكتاباتهم وتحليلاتهم الانهزامية في الصحف والمجلات والفضائيات، بثنائهم المبالَغ فيه على الغرب وقِيَمه وقوّته، وأنه إنما سيطر على هذه الأمة بسبب ضعفها وتخلّفها في الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية والتقنيّة فحسب.
ومع مصداقية بعض تلك التحليلات ظاهرياً، لكونها أعراضاً للمرض الحقيقي الذي تعانيه أمتنا، فإنّ أولئك الكتّاب جعلوها أمراضاً مستقلة ينبغي أن يتجه إليها العلاج مباشرة، وذهلوا ذهولاً أعمى عن "السبب الأساس" في نشوء تلك الأعراض، وحادوا عن استلهام تعاليم القرآن، وتوجيهات السنّة، واستقراء التاريخ، ومعرفة السنن الجارية، والنواميس الشرعية، حول أسباب ضعف الأمة الإسلامية والمخرج منها، ولم يتطرقوا إلى ذلك من قريب أو بعيد، لجهلهم بفقه الهزيمة التي حلّت بالأمة، ولخوضهم في أمور لا يملكون أدواتها، ولتصدرهم لقضايا لا علاقة لتخصصاتهم فيما يتحدثون عنه أو يكتبون فيه، وللهوى والحقد الذي يُكنّه بعض أولئك لهذا الدين.
وللأسف فإن ذلك الطرح المادي المتكرر، قد أثّر على قطاع عريض من شباب المسلمين، وكان سبباً في صرفهم عن عودتهم لهذا الدين، وإصابة غيرهم باليأس والقنوط، وأصبح بعضهم الآخر يُسقط تقصيره وأخطاءه على غيره، ويُخرج نفسه من مغبّة مسؤولية ضعف أمته وهوانها، فعطّلوا طاقاتهم وجميع أسلحتهم المعنوية الأخرى، حتى أصبح كثير منهم يعتقد أن هذا الواقع السيء أمر لا مفرّ منه، فأصيبوا بهزيمة نفسية محبطة، وأصبحوا لا يؤمنون ولا يثقون إلا بالقوة المادية فحسب، وغدوا ينظرون إلى الغرب بنفسية الغالب والمغلوب، وجنت الأمة آثار تلك الهزيمة النفسية المحبطة، وهو ما تعيشه اليوم بكل مآسي الواقع ومرارته.

الزيارات: 1504