المقالات الافتتاحية
بوتين يخوض حرباً (مقدّسة) ضد السوريين
لم يكن الكرملين والفاتيكان على وفاق، واتهم كارل ماركس الدين بأنّه أفيون الشعوب، ومرّت العلاقات خلال الحقبة الشيوعيّة بين مد وجزر، واستقبل البابا يوحنّا صهر الزعيم السوفياتي السابق خروتشوف مع أن الكنيسة حرّمت الشيوعية، وساءت العلاقات بين الطرفين حتّى أنّ ليونيد بريجنيف، أمر باغتيال بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني في عام ١٩٨١، وقامت الاستخبارات العسكرية السوفيتية بالتخطيط لتنفيذ محاولة الاغتيال، ثم بدأت العلاقة بالتحسّن في عهد غورباتشوف رافع شعار البيروسترويكا ( الإصلاح، والمصارحة) الذي قدم استقالته من منصبه بنهاية عام 1991م، وأنهى الاتحاد السوفيتي كدولة.
ثم ارتفعت العلاقات الدبلوماسية بين الفاتيكان وموسكو الى أعلى مستوياتها في عهد الرئيسين الروسيين ميدفيدف وبوتين الذي يسعى لترسيخ نفوذه بالقوميّة الدينيّة.
وخلال زيارته للبابا أكّد الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا ستبقى وفية لدورها التقليدي منذ القرن التاسع عشر كحامية لمسيحيي الشرق، من كاثوليك أو أرثوذكس.
وأعاد بوتين طرح شعار «حماية مسيحيي الشرق» الى الواجهة خلال لقائه بطريرك انطاكية وسائر المشرق البابا يوحنا العاشر، عبر تأكيده على أن روسيا تلعب دورا بارزا في الدفاع عن المسيحيين ليس في سورية وحدها بل في المنطقة.
كفانا خداعاً ودعونا نسمّي الأمور بأسمائها
نفى النصيريّون عن أنفسهم صفة الأقليّة في سوريّة، رغم أنّ نسبتهم لا تتجاوز 11،5%، من مجموع الشعب السوري، وجاء في المادة الخامسة من الوثيقة المسماة (الابتدار العلوي): "العلويّون الجديدون يأبون صفة الأقليّة، أيّاً كانت معايير قياسها، ويسقطونها عنهم كعنصر تعريف، حيث تكون هذه الصفة مجدية للأخذ بها، فإنّهم يتنازلون عنها، وحيث تكون عائقاً لتناسبهم في المجتمع فإنّهم منكريها، لا يمكن من الآن فصاعداً أن تكون سبباً لحمايتهم، ولا بالمقابل للإضرار بهم".
وبهذه العقليّة اختطفت الأقليّة النصيريّة التي لا تريد أن تعرف حجمها الحقيقي الحزب والدولة السوريّة خمسة وأربعين عاماً، وسيطرت على السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، أقصت خلالها الأكثريّة السنيّة التي تمثّل 80% عن المناصب العسكريّة والأمنيّة والمدنيّة العليا ـ سوى بعض الواجهات السنيّة التي كانت توقع على قوائم تسريح الضبّاط، وقوائم المحكومين بالإعدام ـ، واضطهدتها بشكل سافر، حتّى رأى الشعب السوري المقهور في عهدها النجوم في رائعة النهار، وانتشر الفساد، واستباحت القطط السمان المال العام، واستغلّت القضايا الوطنيّة والقوميّة والوحدويّة، حتى ظنّ المغفّلون منّا أنّ تحرير فلسطين على أيديهم قاب قوسين أو أدنى.
سوريّة لن تكون قاعدة عسكريّة روسيّة بهذه البساطة
كان من بواعث فخر السوريين واعتزازهم بعد الاستقلال، عشقهم للحريّة وانعتاقهم من النفوذ الأجنبي، ورفضهم الأحلاف العسكريّة، وإقامة القواعد العسكريّة على أراضيهم، ورفضهم التدخّل الخارجي في الشأن السوري الداخلي، حتى جاءهم من ذبح أبناءهم، واستحيا نساءهم، وفرّط في استقلالهم، واستعان بالميليشيات الأجنبيّة والعصابات الطائفيّة على قمعهم.
ولمّا بدأ الأسد يترنّح اشترى بقاءه في الحكم بعقد اتفاقيّة منح بموجبها روسيا قواعد عسكريّة، جسّد من خلالها خدمة المصالح الأجنبيّة على حساب شعبه.
وليس سراً القول بأنّ روسيا الاتحاديّة وريثة الاتحاد السوفييتي البائد قد وجدت الفرصة المواتية لتنفيذ استراتيجيّة شاملة للهيمنة والسيطرة على الشرق الأوسط، وضمان للوجود، ونشر القواعد العسكريّة على أراضي الغير، باعتبارها إحدى أدوات السيطرة على الشعوب التي تقع القواعد على أرضها، وتهديد للشعوب المجاورة لها.
اِقرأ المزيد: سوريّة لن تكون قاعدة عسكريّة روسيّة بهذه البساطة
لماذا تعثّرت ثورة الكرامة
جاءت ثورة الكرامة في سوريّة رداً عمليّاً على نظام رئاسي استبدادي قمعي طائفي وراثي، عصي على الإصلاح، يتستر خلف حزب علماني يرفع شعارات تقدميّة وتحرريّة ووحدويّة، وواجهات سنيّة منافقة، وبرلمان مطواع، ليس له مهمّة سوى تكريس عبوديّة الفرد، والموافقة على ما يقدّم إليه من قوانين، عاجز عن محاسبة أي مسؤول في النظام، وخاصّة الرئيس باعتباره هو القانون، وأبناء عائلته وطائفته المقرّبين.
وقام الشعب بتحطيم أسطورة النظام الذي لا يقهر، وهزمه في قعر داره، وفضح طائفيّته وفساده، وكشف سوءته، وأظهره على حقيقته.
ولمّا بدأ النظام وشبيحته يترنّح تحت معاول الثوّار، أخذ يستغيث بالقوى الخارجية فجاءته بمالها وعتادها وعصاباتها، غير عابئة باستقلال البلاد، والخسائر البشريّة والاقتصاديّة، وما تجرّه الحرب من ويلات وكوارث وضحايا.
وانتهكت العصابات الطائفيّة الغازية كافّة المحرّمات، وأفرغت أحقادها التاريخيّة على الآمنين المستضعفين، وألقت الطائرات الروسيّة المتحالفة مع النظام حممها، وتحوّل نصف الشعب إلى مشرّدين ولاجئين.
تجار الحروب والربيع العربي
ارتبطت صورة تاجر الحرب الساخرة في الأدب العالمي بصورة التاجر اليهودي الذي يركب حماره ويراقب المعارك من بعيد ليشتري من المنتصر الغنائم والأسلاب بدراهم معدودة.
ففي ظل الفوضى الشاملة، وفساد الطبقة الحاكمة، وغياب الرقابة الشعبيّة على مفاصل الدولة، سادت قيم غريبة لا تعرف التسامح والقناعة والإيثار في مجتمعاتنا العربيّة، مبنيّة على الجشع والطمع والاستغلال، وتبدو هذه الصورة واضحة فاقعة الألوان في المثال السوري.
ويدخل ضمن هذه الدائرة الانتهازيّة دول وشركات عالميّة وقطاعات فاسدة من تجّار السلاح والوقود والطعام والدواء.
فقد استطاعت روسيا وإيران ابتزاز النظام واستغلال ضعفه، للحصول على قواعد بحريّة وموانئ نفطيّة، وقواعد جويّة مجانيّة، والحصول على حق التنقيب عن النفط في الأرخبيل السوري بشروط مجحفة بحق السوريين.
واستغلّت روسيا حاجة النظام إلى السلاح فباعت الأسلحة الفاسدة المنتهية الصلاحيّة والمحظورة دوليّاً بمبالغ خياليّة، محملة الأجيال السوريّة ديوناً وفوائد لا يعلم الا الله حجمها، والقادر على تسديدها.
وتداعى الإيرانيّون على شراء العقارات والأراضي والمصانع مستغلين ضعف الليرة السوريّة أمام الريال الإيراني، والتسهيلات الحكوميّة للحلفاء الفرس.