المقالات الافتتاحية
مجزرة خان شيخون وحي الراشدين والقاتل واحد
صعق مراسل صحيفة "ديلي ميل" البريطانيّة وهو يرمق ابتسامة عريضة ارتسمت على وجه بشار الأسد أمام كاميرا وكالة الأنباء الفرنسيّة، وهو يتساءل عمّا إذا كان الأطفال والنساء قد ماتوا بالفعل، وكأنّه لم يعط الأوامر لطائراته بقصف خان شيخون بغاز الزارين، ولم يشاهد آثار الجريمة البشعة التي اقترفتها يداه الملوّثتان بدم الشعب السوري.
وقال المراسل: ما رأيناه خلال المقابلة كان ديكتاتوراً يائساً فقد فجأة السيطرة على حرب كان يعتقد أنه على وشك الفوز بها.
وأضاف: رأينا أيضاً ما يكمن داخل الروح البشرية للرجل الذي قتل 400 ألف شخص من شعبه ولم يعد لديه أي مفهوم عن ماهية الموت.
أدان الجميع بما فيهم حلفاء النظام جريمة استخدام الكيماوي، لأنّ المتسترين على المجزرة لا يستطيعون مواجهة أحرار العالم الذين روّعتهم مشاهدها المؤلمة، وأدانوا مرتكبها لأنّ الجاني ارتكب جريمته في وضح النهار، تاركاً مسرح الجريمة حافلاً بالأدلّة والقرائن والشهود.
حتى قاتل أطفال خان شيخون تنصّل من جريمته، ولم يخجل أن يدّعي بأنّ استخدام طيرانه للسلاح الكيماوي أمر مفبرك، وأنّه أمر غير أخلاقي، وغير مقبول بالنسبة له، ليمتص غضب الرأي العام، الذي روّعته الجريمة، وقال محامي الشيطان (المعلّم): إنّ موكّله لم يستخدم قط الأسلحة الكيماويّة، وأنّه تخلّى عنها قبل ثلاث سنوات.
محاولة لفهم سلوك الباطنيّة في الماضي والحاضر
فشل علاج أمراضنا السياسيّة والاجتماعيّة في عالمنا العربي الموبوء بالعنف والتطرّف، لا لأنّ تشخيص الداء كان خاطئاً، ولكن لأنّنا لم نتجرأ على البوح باسم المرض بصراحة، خشية أن نتهم بالتعصّب، وكنّا نعطي المريض الدواء الخاطئ خشية أن نتهم بمعرفة الحقيقة، ولم نجرؤ على مصارحة المريض بدائه حرصاً على مشاعره، حتى استفحل المرض وطما الخطب، وكاد المريض أن يموت بدائه.
دعونا نقلّب صفحات التاريخ، ونستلهم العبر من دروسه، ونتزوّد من ذاكرة الأمّة، ومخزون تراثها الثقافي، علّنا نجد العلاج الشافي لأمراضنا المزمنة، فنحن أمام مرض عضال ينخر جسد الأمّة، منذ فجر الإسلام، عجز عقلاء الأمّة وفقهاؤها عن تشخيصه وعلاجه.
فالتاريخ ليس كما يتوهّم البعض علم الماضي فحسب، وليس لغواً، بل هو علم الحاضر والمستقبل.
بدأ المرض بترويج فكرة مفادها: بأنّ لكلّ عبادة أو أمر ظاهراً هو كالقشر وباطناً كاللّب، واللبّ خير من القشر، وكل قائل لذلك يعتبر باطنياً، وإن النصوص الدينية لها معنيان: أحدهما ظاهر يفهمه الناس بواسطة اللغة، وبمعرفة أساليب الكلام، والثاني باطن لا يدركه إلا الذين اختصهم الله بهذه المعرفة، وأخذوا يحرّفون ظواهر كتاب الله وسنّة رسوله إلى معان مستبطنة وتأويلات غريبة، فالطهور ليس هو الوضوء المعروف، وإنما المراد به التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الامام، والصيام الامساك عن كشف السر، والصلوات الخمس أدلة على الأصول الأربعة وعلى الإمام، وطوفان نوح عليه السلام طوفان العلم الذي أغرق المتمسكين بظواهر الكتاب والسنة، ونار إبراهيم عليه السلام التي ألقي فيها هي عبارة عن غضب النمرود، وليست نارا حقيقة، وزعموا أن جن سليمان هم باطنية ذلك الزمان، والشياطين هم الظاهرية الذين كلّفوا بالأعمال الشاقة..الخ.
منصتا القاهرة وموسكو ومسجد الضرار
ولمّا اتخذ المنافقون في المدينة مسجداً ضرارا وكفرا، وتفريقا بين المؤمنين، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله، قالوا لرسول الله: إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ).
ولم يتوقف التآمر على الإسلام والمسلمين، باسم الإصلاح والعمل الاجتماعي والخيري، بل تعداه إلى العمل الوطني، فكم من حركة تحرّريّة بذلت من أجل انتصارها الأرواح والمهج أجهضت، وكم من ثورة شعبيّة عمّدها أصحابها بالدماء سرقت بطريقة ماكرة وخبيثة؟
وكم بذلت الشعوب العربيّة والإسلاميّة من تضحيات، حتى حمل الاستعمار عصاه ورحل عن بلادنا غير مأسوف عليه، فإذا بها تسقط في أيدي أنظمة القمع والاستبداد دهراً، وتعاني من التخلّف السياسي والاجتماعي والاقتصادي، حتى أصبحت بلادنا في مؤخّرة الركب العالمي.
ذلك لأنّها اعتقدت أنّ مهمتها انتهت برحيل الاستعمار، وأنّ الوطن أصبح بيد أبنائه، ولم تدر أنّ مكاسب الثورة تحتاج إلى حماية تفوق الثورة ذاتها.
محاولات تكريس الهيمنة الإيرانيّة والروسيّة
أدمن الجيش السوري بعد الاستقلال على الانقلابات العسكريّة، فأهدانا حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي، إلاّ أنّ هذه الانقلابات كانت قصيرة الأجل، وكان القاسم المشترك بينها المتاجرة بالقضيّة الفلسطينيّة، وتكريس الهيمنه الأجنبيّة، ودغدغة مشاعر البسطاء بالوعود الكاذبة.
وما هي إلاّ سنوات حتى خرج علينا أشقياء الناصريين والبعثيين في الثامن من آذار 1963 بانقلابهم الشهير للقضاء على عهد الانفصال وإعادة الوحدة وحكم عبد الناصر.
لكنّ شهوة الحكم حالت دون تنفيذ شعارات الوهم التي خدع بها السوريّون دهراً، وجرى التخلّص من الناصريين، وتطهير الجيش من الضبّاط السنّة، وإحلال الأقليّات، دون مراعاة لمشاعر الأكثريّة السنيّة (85%)، حتى أقدم ضابط شاب على عمليّة مدرسة المدفعيّة، مدفوعاً بالحميّة لمذهب الأكثريّة.
وهذه قوائم المسرّحين والمطرودين من الخدمة العسكريّة والمدنيّة خلال فترة صعود النصيريين أمامنا.
وبدأ الحاكم الفرد بتدعيم أركان حكمه الاستبدادي، بالتخلّص ممن يجده عثرة أمام سلطته وجوره، وتعديل القوانين بما يتلاءم مع أطماعه وغاياته، وترويض فئة من الرعاع اعتادت الخنوع والتزلّف لكل ظالم ومستعمر، سهّلت له طريق الطغيان، وشجّعته على التمادي في الغي.
أوباما يتنازل عن التزاماته الأخلاقيّة تجاه سوريّة ودول الخليج
الشيعة: أصبح لنا أخ في البيت الأبيض
بدأ العد العكسي لرحيل الرئيس أوباما ، وأخذ الرئيس المنتخب ترامب يحث الخطى نحو البيت الأبيض، بينما البارجات الروسيّة وأسراب طائراتها تدك أحياء حلب، وعصابات الأسد وحليفته إيران، والفصائل الشيعيّة الحاقدة يحاصرون المدينة، ويفتكون بالأطفال والجرحى، ولا يتورّعون عن تدمير المدارس والمستشفيات، مستغلّين الفراغ السياسي بين نهاية عهد أوباما وبداية عهد ترامب.
لم يتوقف الرئيس أوباما عن الترديد في كل مناسبة: حان وقت تنحي الأسد، وأنّ الأسلحة الكيماويّة خط أحمر بالنسبة لأمريكا، بينما القصف بالكيماوي يتواصل.
وقالت إدارته: أن الأسد يستحق عقابا أليما على جريمة قصف الغوطة بغاز السارين، وحمّلته مسؤوليّة مقتل 1400 شخص، بينما كان الثوّار يزحفون باتجاه قصر قاسيون لإسقاط نظامه.
لكنّ أوباما خيّب أمل حلفائه، وبدأ يتراجع عن فكرة هجوم غير مدعوم بقرار دولي من مجلس الأمن أو من الكونجرس، وهو يعلم تماماً أنّ قراراً من مجلس الأمن لا يمكن أن يصدر إلاّ من خلال موافقة روسيا حليفة الأسد وداعمته، وأخذ يبحث عن مبرّرات لهذا التراجع كالقول بأنّ الأسد سيستخدم المدنيين كـ “دروع بشرية” حول الأهداف الواضحة،
اِقرأ المزيد: أوباما يتنازل عن التزاماته الأخلاقيّة تجاه سوريّة ودول الخليج