المقالات الافتتاحية
لقد وطئت موطئاً صعبا يا سيّد بوتين... فمتى تبدأ الرحيل
ظنّ المخدوعون من أبناء ملّتنا أنّ الثورة البلشفيّة عام 1917 هي الحد الفاصل بين ماضي روسيا القيصريّة الاستعماري الملطّخ بدماء شعوب وسط آسيا والقوقاز والقرم، وأن روسيا القيصريّة ثالثة الموقّعين على معاهدة تقسيم العالم العربي، واحتلال استانبول والسيطرة على المضائق، قبل تعديلها، ودّعت تاريخها الاستعماري بإعلانها الانسحاب من هذه المعاهدة المجحفة بحق شعوب المشرق العربي وتركيّا.
وأن قادة روسيا الجدد (بعد الثورة) سيضعون حداً لأطماع القياصرة، وسيعيدون حقوق الشعوب المغتصبة إلى أصحابها، وسيسحبون جيوشهم الغازية من بخارى وسمرقند وطشقند والقوقاز.
لكن سرعان ما تبخّرت الوعود، وخفت بريق الشعارات، وكشّرت دكتاتوريّة ستالين عن أنيابها الصفر، وانتزعت هويّة المسلمين، وحرموا من قرآنهم، وكان الروس يجمعون الأهالي في اسطبلات الخيل ويحرقونها، ويرسلونهم إلى سيبيريا ليموتوا جوعاً وبردا.
وكان ستالين أوّل من وعد اليهود بإقامة وطن لهم في شبه جزيرة القرم على حساب المسلمين التتار، وكانت أوّل من اعترف بالكيان الصهيوني الغاصب، وأوّل من فتح أبواب الهجرة ليهود روسيا إلى إسرائيل،
اِقرأ المزيد: لقد وطئت موطئاً صعبا يا سيّد بوتين... فمتى تبدأ الرحيل
وازدحمت الوفود على أبواب النظام
لأنّ شعبنا حلم بالمجد والسؤدد والفجر الأغر، وثار متأخّراً وقد طال صبره، ليسترد حريّته بعد آخر انقلاب عسكري سموه "الحركة التصحيحيّة"، ويسلّط الضوء على المرتزقة وخفافيش الظلام الذين يعملون لصالح الطغاة، فيزوّرون الانتخابات، ويحوّلون الهزائم إلى انتصارات، ويفضح الأيدي الآثمة العابثة بأمنه واستقراره، ويكشف الغطاء عن سرّاق المال العام واللصوص والسماسرة بعد استشراء غول الفساد في مفاصل الدولة.
استكثروا عليه أن يثور لكرامته ولو مرّة واحدة، وأن يختار ممثليه في البرلمان بحريّة، وأن يكون التداول السلمي للسلطة أمراً مقّرراً، وأن يكون القضاء محايداً وعادلاً، وأن تكون الحريات مصانة.
فانحازوا إلى جانب النظام، وشهدوا على أنفسهم أنّهم شركاؤه في الاثم، وحملة أوزاره، ظناً منهم أنّ الثورة فشلت وأنّ قائد النظام انتصر على شعبه، علّهم يفوزوا بنصيب من الغنيمة.
وازدحمت وفود البرلمانات والأحزاب والشخصيّات العربيّة على أبواب النظام، تعلن ولاءها وانحيازها الكامل، وتأييدها ومباركتها أسلوب الإبادة والعقاب الجماعي الذي مارسه النظام، والانتقام من الشعب وترويعه وإذلاله.
الخديعة الكبرى
روسيا وإيران الضامنتان مع تركيّا لوقف إطلاق النار، وضمان السلامة الإقليميّة للأراضي السوريّة ووحدتها، لم تتوقف الأولى عن الإغارة بطائراتها على منطقة وقف التصعيد، وغض الطرف عن غارات النظام على المنطقة، ولم تتخلّى الثانية عن موقفها المنحاز للنظام، وعن الاعتداء على المدنيين في المناطق التي خدعت بما يسمى المصالحات.
ولم تسترشد هاتان القوّتان الغاشمتان بأحكام قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015، إمعاناً في حرمان الشعب السوري من حقوقه السياسيّة، وتحقيق حلمه في الحريّة والاستقلال.
ولم تتخذا عن سوء نيّة التدابير اللازمة لبناء الثقة، كالإفراج عن المحتجزين والمختطفين، ولم تحددا هويّة المفقودين، وغضتا الطرف عن اغتيال المعارضين في مناطق المصالحات،
من حق السوريين أن يكتبوا دستورهم بحريّة وأن يكون دين دولتهم الإسلام
لم تتوقف القوى المتربصة بالشعب السوري وعلى رأسها روسيا التي تحنّ إلى ماضيها الاستعماري، وأمجاد جنكيز خان، وقد أصبحت قوّة مشاكسة تبحث عن هويتها بين آسيا وأوروبا، عن سعيها الدؤوب لإجهاض ثورته، وإخماد صوته، واستغلال معاناته، والوقيعة بين أبنائه، وسلب إرادته الحرّة، وانتهاز الفرصة لتكبيله بالديون، والاتفاقات المجحفة، وانتقاصه استقلاله مصدر اعتزازه، وفرض دستور علماني يعكف على كتابته نفر ممن يدّعون تمثيل الشعب السوري، في سراديب موسكو عاصمة الاحتلال، وقامعة الأحرار، وراعية ما يسمى بالمصالحات بين الجلاد وشعبه المنكوب به وبطائفته وحزبه.
تريد موسكو بعد غزو أوكرانيا وضم القرم، محاصرة تركيّا من الشمال والجنوب، وإجهاض نهضتها، وإعادة الهيمنة من جديد على الشعوب التركيّة في آسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي البائد.
وتريد من سوريّة بعد وقف إطلاق النار، أن تكون بستاناً خلفيّاً لبيتها الخرب، وسوقاً لبضاعتها المزجاة الكاسدة، وأسلحتها الصدئة المنسّقة، وحقل تجارب لأسلحتها الفاسدة.
اِقرأ المزيد: من حق السوريين أن يكتبوا دستورهم بحريّة وأن يكون دين دولتهم الإسلام
السيادة الوطنيّة في الميزان
طال ليل الصبر والمعاناة، والقهر والاضطهاد في سبيل المحافظة على (السيادة الوطنيّة) التي نصّب الأدعياء أنفسهم حماة لها في هذا الشرق الموبوء بالباطنيّة الدينيّة والسياسيّة، حتى تبددت ظلمة الليل، وسطعت شمس الحقيقة، يوم ذبحت (السيادة الوطنيّة) في وضح النهار، وسلّمت مفاتيح دمشق لجيوش الاحتلال الفارسي، وميليشيات الحقد الطائفي، بطريقة بارعة يعجز ابن العلقمي عن إخراجها.
وأطمع الأسد الولي الفقيه بتصدير النفط والغاز الإيراني عبر العراق وسوريّة إلى موانئ البحر المتوسط، للتخلّص من العقوبات، والتحرّر من الأخطار الناجمة عن إغلاق مضيق باب المندب في حالة حدوثها، ومنحه الأرض الكافية لإقامة المنشآت النفطيّة لتخزين البترول وتكريره.
وتنفيذاً لإرادة الرئيس عقد رئيس حكومة النظام، عماد خميس، اتفاقيةً خيانيّة في منتصف كانون الثاني 2017، تنصّ على «تخصيص خمسة آلاف هكتارٍ لإنشاء ميناءٍ نفطيّ».
ولم يكتف الرئيس بالإشادة بدور القوات الإيرانيّة البريّة في سوريّة، التي بلغ قوامها 80 ألف مقاتل، مكلّفة بمهمة صريحة هي قتل الشعب السوري، ووأد ثورته، بالإضافة إلى عصابات تحمل الضغائن والأحقاد، لحماية نظامه من السقوط، فأراد أن يكرّس الاحتلال الفارسي، بمنحه مزيداً من القواعد العسكريّة.