أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد

نشر بتاريخ: الثلاثاء، 04 كانون1/ديسمبر 2018 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

ابن العميد
(300/ 913 - 360/971
الجاحظ الثاني، أديب شاعر، كاتب بليغ مجيد، وزير ركن الدولة بن بويه سنة 328هـ/940م، وابنيه مؤيّد الدولة، ثم فخر الدولة، وأوّل من نحى الأسلوب المحلّى بالسجع والبديع، حتّى عدّ أستاذا لهذه الطريقة الجديدة في الكتابة.
فارسي الأصل من أهل قم، معتزلي، نشأ بأصبهان، قدم بغداد وتفقه بالنظامية، تولى أبوه الملقب ب(كلة) الكتابة لنوح بن نصر الساماني ملك بخارى، ولقّب بالعميد،  فنشأ على العلم والأدب، وغذاه بالعلم وبرع في الإنشاء وفنون الأدب، جمع بين اسلوب ابن المقفّع وأسلوب الجاحظ، وكان شاعراً ناثراً، ولكنّه كان في النثر أشهر.


أثنى ابن مسكويه على ابن العميد فقال: "جمع سعة العلم، وأدب النفس، وكمال الخلق، فضلاً عما عرف عنه من الجرأة والشجاعة في الحروب، وقدرته العالية في ضبط الأعمال، وحسن تدبيره لشؤون الدولة، وقد كان بحق أعرف وزراء آل بويه في زمانه بأمور الملك وخفايا السياسة، كل ذلك مع ما عرف عنه من حبّه للعلم والأدب وتواضعه الجم مع أهلهما".
وأثنى على ثقافته العلميّة فقال: "كان ابن العميد يختص بغرائب من العلوم الغامضة، التي لا يدعها أحد كعلوم الحيل (الميكانيكا)، التي يحتاج فيها أواخر علوم الهندسة والطبيعة، والحركات الغريبة، وجر الثقيل، ومعرفة مركز الأثقال، وإخراج كثير مما امتنع على القدماء من القوة إلى الفعل".
غادر بخارى إلى بلاد الجبل وتقلد الأعمال لبني بويه عقب موت الوزير أبي على القمى، وجرى على منهاج بني برمك في الجود والكرم، حتى ذاع صيته، وقصده العلماء، وانتجعه الشعراء، ومنهم أبو الطيّب المتنبي الذي مدحه في قصيدة مطلعها:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك أن لم يجر دمعك أو جرى
وأنشده ابن نباته السعدي قصيدة يقول فيها:
برح اشتياق وادكار ... ولهيب أنفاس حرار
والمنقب في المكتبة العربيّة عن كتبه، لا يجد لها ذكرا، سوى القليل النادر، ومنها (ديوان رسائله)، وذكر ابن النديم الورّاق له كتاب (المذهب في البلاغات)، ويذكر المهتمون بسيرته أنّه ألّف كتاباً مخطوطاً فريداً في تخطيط المدن هو (بناء المدن) شرح فيه أساليب البناء في عصره.
وانتشرت طريقته في الكتابة بين أدباء عصره، وكانت ثقافة العصر العباسي التي عاشها ابن العميد في قصور البويهيين الذين قرّبوا الأدباء والشعراء إليهم، في غاية البهاء، بسبب التبادل الثقافي بين الثقافتين الأصيلتين: الفارسيّة والعربيّة، وانصهارهما في بوتقة حضاريّة واحدة.
قال الثعالبي صاحب اليتيمة: "اوحد العصر في الكتابة، .. يدعى الجاحظ الأخير، والاستاذ، والرئيس، يضرب به المثل في البلاغة، وينتهي إليه في الإشارة بالفصاحة والبراعة، مع حسن الترسل وجزالة الألفاظ وسلاستها، إلى براعة المعاني ونفاستها، ... وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد".
ولأجل صحبة ابن عبّاد لابن العميد قيل له الصاحب ابن عبّاد، وكان الصاحب ابن عباد يعتبره أحد كتاب الدنيا وبلغاء العصر الأربعة.
ويحفظ الناس من شعر ابن العميد قوله:
آخ الرجال من الأبا
        عد والأقارب لا تقارب

إنّ الأقارب كالعقا
        رب بل أضل من العقارب

وكان ابن العميد ماهرا بعلوم الأوائل مع سلامة اعتقاد وحسن خلق وشجاعة تامة، و به تخرج عضد الدولة، ومنه تعلم سياسة الملك.
وحمل عليه بعض النقاد ومنهم خليل مردم فقال "ان الأدب في نظر ابن العميد ضرب من ضروب التسلية والتلهّي والترفيه واظهار البراعة والغلوّ والاغراق والبعد عن الحقيقة في التصوير والامعان في التزويق".
وهو رأي فيه تحامل وتجن على ابن العميد، خالف فيه خليل مردم جمهور النقاد، وعشّاق فنون الأدب العربي.
وتتبع أبو حيان التوحيدي في كتابه (أخلاق الوزيرين الصاحب بن عبّاد وابن العميد) أخبار ابن العميد ونقائصه، وأظهر مثالبه للناس، فلم يكن صادقاً ولا موضوعيّاً. 
وحمل ابن العميد رغم المرض الذي أصابه أعباء الإدارة، وخاض غمرات السياسة والحرب، وخرج على رأس جيش لقتال الزعيم الكردي حسنويه، ولكنه توفي في الطريق.
ولمّا اجتاز الصاحب بن عبّاد بدار ابن العميد بعد وفاته، فلم ير هناك أحداً، بعد أن كان الدهليز يغصّ من زحام الناس، فقال باكياً:
أيّها الربع لم علاك اكتئاب
        أين ذاك الحجاب والحجّاب

أين من كان يفزع الدهر منه
        فهو اليوم في التراب تراب

___________________________________________________________________        
(1) الكامل ج 7  ص 37 و 82 علي بن محمد ابن الأثير. (2) وفيات الأعيان ج 2 ص 463 أحمد بن محمد ابن خلكان. (3) تاريخ الأدب العربي ص 233 أحمد حسن الزيات. (4) يتيمة الدهر ج 3 ص 183 عبد الملك الثعالبي. (5) شذرات الذهب ج 3 ص 31 عبد الحي بن أحمد ابن العماد العكري. (6) رسائل ابن العنيد ـ دراسة فنيّة، رامي عثمان المرايطة. (7) نافذتان نقديتان على النثر العباسي (أحمد بن يوسف والإعراق في الكتابة إبن العميد بين التسجيع والمزاوجة)، فاروق محمود الحبوبي. (8) الرسائل الأدبيّة والنثريّة في القرن الرابع للهجرة (العراق والمشرق العربي)، غانم جواد رضا الحسن.(9) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة الجزء 4 ص 64 ابن تغري بردى.

الزيارات: 1834