الخطّاط خالد بن أبي الهياج

نشر بتاريخ: السبت، 05 كانون2/يناير 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

أوّل من كتب المصاحف الحسنة الخط في الصدر الأوّل
(    /    ـ 96/715)
انتشر الإسلام في الآفاق، واتسعت دولة الخلافة، وأخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجا، وكان المسلمون بحاجة ماسّة لنسخ أعداد كثيرة من المصاحف، وتعريب الدواوين في البلاد المفتوحة وخاصّة في بلاد الشام والعراق، فأخذت الكتابة باللغة العربيّة تتطوّر وتنتشر لتلبي حاجة القضاء والدواوين، واشتهر عدد من الخطاطين المبدعين كان لهم الفضل في ارتقاء الخط العربي إلى هذه الدرجة من الإتقان والإبداع، وتصدره جميع الفنون الإسلاميّة، وارتفاع منزلته إلى درجة القداسة، لارتباطه بالقرآن الكريم، وانسجامه مع خصائص الحضارة الإسلاميّة، وبعده عن التجسيم، وكان الخطاط خالد بن الهيّاج أحد روّاد هذا الفن.


ورغم أنّ المعلومات المتعلقة  بسيرة هذا الرجل شحيحة، إلاّ أنّ أحداً من مؤرّخي الحضارة الإسلاميّة لا ينكر دوره، فهو بحق أحد الخطاطين المتقنين في العصر الأموي، وصاحب الإمام علي بن أبي طالب (كرم)، كتب المصاحف والأخبار والشعر للوليد بن عبد الملك، وكتب المصاحف الكبيرة بخط الطومار والجليل الذين ابتكرهما سلفه الخطاط قطبة المحرّر، وكتب الكتاب الذي في قبلة مسجد الرسول (ص) بالذهب ابتداءً من سورة الشمس إلى آخر القرآن الكريم.
أثنى ابن النديم الورّاق على الخطاط خالد بن الهيّاج في كتابه الموسوم ب"الفهرست" فقال: أنَّ أول مَن كتب المصاحف في الصدر الأول، ووصف بحسن الخط (خالد بن أبي الهياج).
وينقل ابن النديم في كتابه الشهير «الفهرست» عن المؤرخ محمد بن اسحاق (ت 151 هـ/768م) قوله: كان بمدينة الحديثة، رجل يقال له محمد بن الحسين، جمّاعة للكتب، له خزانة تحتوي على قطعة من الكتب الغريبة في النحو واللغة والادب والكتب القديمة، فلقيت هذا الرجل فآنس بي.. فأخرج اليّ قمطرا كبيرا فيه نحو ثلاثمائة رطل جلود (من جلود الحمير الوحشية)، وصكاك وقرطاس مصر (اي ورق البردي)، وورق صيني، وورق تهامي، وجلود آدم، وورق خراساني فيها تعليقات (لغة) عن العرب، وقصائد مفردات عن اشعارهم، ورأيت في جملتها مصحفا بخط خالد بن ابي الهياج، صاحب علي رضي الله عنه، ثم وصل هذا المصحف الى ابي عبد الله ابن حاني.
ولمّا طلب الخليفة عمر بن عبد العزيز من خالد بن أبى الهياج، أن ينسخ له مصحفا، فلما فرغ منه، بعد أن جوّد في نسخه، أحضره إلى مجلس الخليفة فنال إعجابه فأخذه وراح يقلبه ويستحسنه إلا أنه رده عليه مستكثرا ثمنه.
وهو أول من استخدم الخط العربي من الناحية الجمالية خارج الألواح والقرطاس، فقد كتب الآيات القرآنية على الجدار القبلي للمسجد النبوي الشريف، واستطاع الخروج من أسلوب الخط اليابس الهندسي (الكوفي) إلى الخط المقوّر الذي يعطي الفنان المرونة والمطاوعة لرسم الحرف والابتكار فيه..
نظراً لصعوبة قراءة الخط الكوفي رغم جمال تشكيله وتكوينه فقد استبدل بخط النسخ الأسهل قراءة.
وقال الخطّط باسم ذنون صاحب كتاب (لمحات ولوحات في الخط العربي): "إن الخط العربي في خطواته الأولى كان يحبو في مدارج النمو، إلى أن أصبح يافعا نضراً في الخط اللين مع نهاية عصر الراشدين، وبداية العصر الأموي، حيث حصلت فيه النقلة النوعية على يدي الخطاط خالد بن أبى الهياج".
ولإعطاء القارئ الكريم لمحة عن تطوّر الخط العربي حتى عصرنا ننقل تصوّر الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي لهذا التطوّر من كتابه القيّم "أطلس الحضارة الإسلاميّة" حيث يقول: "وكانت الحروف العربيّة حتى بداية القرن السابع الميلادي تكتب منفصلة، كما هو الحال الآن في العبريّة وبعض الخطوط الساميّة، ثم تدرّجت في الظهور قواعد للربط بين كثير من الخطوط العربيّة، ثم أضيف التنقيط إلى الحروف التي تكتب بشكل واحد (ب ـ ت ـ ث ـ ج ـ ح ـ خ ).
ثم تطوّرت حركات الفتحة والضمّة والكسرة، لتوضع فوق الحروف أو تحتها تكملة للحروف الصامتة والصائتة.
ثم أضيف بعد ذلك إشارات دقيقة تمثّل الهمزة والمدّة والشدّة والسكون." 
وظل الخط العربي يرتقى ويتنوع حتى وصل إلى عشرين نوعاً على رأس المائة الثالثة من الهجرة عندما انتهت رئاسة الخط إلى الوزير أبي علي محمد بن علي بن مقلة، وأخيه أبي عبد الله الحسن بن علي، وقام الوزير ابن مقلة بحصر الأنواع التي وصل إليها الخطُّ العربي في عصره إلى ستة أنواع هي: الثلث، والنسخ، والتوقيع، والريحان، والمحقق، والرقاع.
ثم انتقلت رئاسة الخط العربي إلى ابن البواب، حيث اخترع عدَّة أقلام، وبلغ في جودة الخط مبلغًا عظيمًا، لم يبلغه أحد مثله، وزاد في تحسين الستّة، ونسخ القرآن الكريم 64 مرّة.
ثم انتقلت رئاسة الخط إلى ياقوت المستعصمي، من موالي الخليفة العباسي المستعصم، الذي حسّن وطوّر الخط العربي.
___________________________________________________________________ (1) العرب في حضارتهم وثقافتهم ص 184 د. عمر فروخ. (2) بوابة الخط العربي، الخط العربي فن نشأ وترعرع في ظلال القرآن، صالح العبادي. (3) جريدة الشرق الأوسط 1/5/ 2003  نوادر المصاحف الخطية في العراق. (4) أطلس الحضارة الإسلاميّة د. إسماعيل راجي الفاروقي، لوس لمياء الفاروقي.

الزيارات: 2933