هل بدأ مشروع تقسيم العراق؟

نشر بتاريخ: الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2005
كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

انفصلت سوريّا عن الأصل العثماني بعد سقوط الخلافة التي بدّدت أمل اليهود بالعودة إلى صهيون، وانقضّت الدولتان الاستعماريّتان بريطانيا وفرنسا ولمّا تنعم مملكة فيصل الناشئة بنعمة الاستقلال تحت راية بني هاشم، فمزّقتا سوريا كما هو معروف إلى خمسة كيانات ضعيفة عاجزة فماذا كانت النتيجة؟سلخ لواء الإسكندرون وضمّه إلى تركيّا بعد أن تداركه الله يلطفه قبل أن يصبح وطنا قوميّا للأرمن (أرمينيا الصغرى) بموجب وعد استعماري للأرمن، وضياع فلسطين التي وعدت بها الصهيونيّة بموجب وعد (بلفور) وزير الخارجيّة البريطاني، وما ترتّب على ذلك من فواجع وآلام لم يتجرّع غصصها السوريّون فحسب، بل تجرّعت شعوب المنطقة بأسرها مذاقها المر.

وفي ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، وغياب دولة مركزيّة قويّة، وفي ظل الأوضاع الأمنيّة المتردية، اشرأبّت اعناق الطامعين نحو السلطة والمجد في عراق الرشيد، وسال لعاب المتعطّشين للاستئثار بثروات العراق ومقدّراته، واستغلّت فرصة وضع دستور جديد للعراق، ومقاطعة العرب السنّة للانتخابات، فأرادوا أن يتضمّن الدستور الجديد الاعتراف بإقليم شيعي واحد في الجنوب والوسط، وأن يضفوا على مشروعهم صفة الشرعيّة، معرّضين وحدة وسلامة الكيان العراقي أرضا وشعبا لأفدح الأخطار. 

وهكذا خرج المشروع الخجول من السرّ إلى العلن وصرّح السيّد عبد العزيز الحكيم: نحن نؤكّد على ضرورة إقامة إقليم واحد في جنوب ووسط العراق لوجود مصالح مشتركة بين ساكني هذه المناطق.

وقال الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى جواد تقي بصراحة لا تحتمل التقية: إنّ طرحنا يقوم على الدعوة لإقامة إقليم شيعي واحد يتكوّن من تسع محافظات في الوسط والجنوب، ويقصد بالجنوب: (البصرة وميسان وذي قار وواسط) وبالوسط: (بابل والنجف وكربلاء والمثنّى والقادسيّة). 

أمّا دول الاحتلال فيهمّها بالمقام الأوّل تقسيم العراق بالشكل الذي يضمن لها سيطرتها على حقول نفط العراق، دون أية اعتبارات أخرى.

وبدلا من أن تصرف الهيئة المكلّفة بوضع الدستور قصارى جهدها لكتابة عقد اجتماعي متين يشكّل الإسلام (شريعة وحضارة) قاسمه المشترك لجميع العراقيين، ويؤكّد على وحدة كل التراب العراقي، وأخوّة جميع أبناء العراق، والتأكيد على تحريره من الاحتلال الأجنبي، وإعادة إعماره، صرفت الجهود لإثارة النزعات العرقيّة والطائفيّة، من خلال مناقشة مشروع الفيدراليّة المطروح كبداية حتميّة لتفتيت العراق.

وقد أدرك عقلاء السنّة والشيعة فداحة هذا المشروع فقال الشيخ عبد الهادي الدراجي وهو من التيّار الصدري: إنّ إقرار الفيدراليّة خطأ كبير يرتكبه المسؤولون في الحكم بحق الأجيال القادمة. 

وقال العضو القيادي في تيّار الصدر حازم الأعرجي: إنّ تيّار الصدر ضدّ الفيدراليّة القائمة على الإقليميّة والجغرافيّة والقوميّة لأنّها لا تخدم إلاّ المحتل.

وإن أشدّ ما يخشاه العراقيّون أن يعلن قيام إقليم شيعي مدعوم من إيران، وأن يفرض (شيعهستان) على المنطقة كأمر واقع بعد انسحاب القوّات الأجنبيّة، كما حدث في فلسطين بعد انسحاب الجيش البريطاني، وخاصّة أنّ المجلس الأعلى يملك جيشا مجهّزا بأحدث الأسلحة ومنظّما أفضل تنظيم، ومدرّبا أحسن تدريب في إيرن، لتنفيذ مهمّة الانفصال.

وكما ضاعت إمارة المحمّرة (خوزستان) الغنيّة بالنفط، وتبدّدت أحلام الشيخ خزعل الكعبي بحكم العراق، عندما أطفئت أنوار البارجة التي كان يحتفل بها مع قائد الأسطول بعيد ميلاد الشاه، وهي تبحر نحو الموانئ الإيرانيّة، حيث أجبر في اليوم التالي على التنازل عن الإمارة العربيّة الخليجيّة ذات الأكثريّة الشيعيّة برمتها لإيران الشاه، بموافقة بريطانيّة مسبقة. 

فإنّ عربستان جديدة مرشّحة للذوبان في إيران المستقبل، ولكن في الجمهوريّة الإسلاميّة هذه المرّة.

وقبل أن تضاف مناسبة احتفاليّة ثالثة تحت شعار تحرير الإسكندرون، وعربستان، وشيعهستان إلى مجرّد مناسبات خطابيّة باهته لإلقاء القصائد، والبكاء على الأطلال، فإنّ أحرار المنطقة وعقلاءها يصرّون على رفض كل مشاريع التجزئة والتفتيت الطائفي والعرقي القائمة على الاستقواء بالاحتلال الأجنبي، ويدعون كافّة أبناء العراق لتفويت الفرصة على الطامعين بالتراب العراقي وثرواته المائيّة والطبيعيّة، وعلى إخواننا الأكراد الذين اطمأنوا في الماضي لوعود كاذبة، وحلفاء يبحثون عن مصالحهم، وقادة ينشدون الحكم، ألاّ يغرقوا في أحلام اليقظة، وهم يؤيّدون المشروع المريب.

وطوبى للغرباء.

1/9/2005 

آفاق العمل الإسلامي رؤية من الداخل

نشر بتاريخ: الإثنين، 01 آب/أغسطس 2005
كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

في زمن غربة الإسلام يصبح الحديث عن آفاق العمل الإسلامي ذا شجون، وخاصّة عندما يحاورك البعض حوار الطرشان، فيدّعون أنّ الاستعمار والصهيونيّة وتارة التبشير والماسونيّة، تقف دون تطوّر العمل الإسلامي، وبلوغه ذرى التقدّم والمجد، وكأنّ هؤلاء الأعداء الموهومين شياطين تسكن جلودهم، وتحول دون قيامهم بواجباتهم وحملهم أماناتهم، والنهوض بأمتهم. 

ومع أنّنا لا ننكر دور الاستعمار والصهيونيّة والتبشير والماسونيّة في التآمر على العروبة والإسلام وهدم الخلافة، وتمزيق العالم الإسلامي، وفرض الطغم الانقلابيّة العسكريّة التي أنتجت الهزائم والنكسات، والاستبداد السياسي، والتخلّف الاقتصادي، ومنح النخب العلمانيّة الفرصة لتكريس التجزئة، وتوطين الفساد، وتفجير المجتمعات المسلمة من الداخل.

 فإنّ إطلاق المارد الإسلامي في عمليّة البناء والتطوير والتحديث على كافّة الأصعدة هو الأصل في كلّ حركة إسلاميّة تحمل مشروعا نهضويّا، دون الالتفات إلى المصاعب والعقبات، ليصبح الإسلام حركة مجتمع رشيد، وثقافة شعب كريم، وتراث أمّة ماجدة. 

وإن أكبر آفة يمكن أن تصيب الحركة الإسلاميّة ابتلاؤها بزعامات تعيش وهم المؤامرة، وإصابتها بقيادات وهميّة عاجزة عن استقطاب الكفاءات، واستيعاب الطاقات والمواهب، وتفعيل دور المتميّزين والمبدعين، والارتقاء بالنخب المنتمية سياسيّا وفكريّا واجتماعيّا، وفتح آفاق أرحب للعمل الفكري والدعوي والإعلامي.

ومما يحزّ في القلب أن ترى جماعات إسلاميّة مستسلمة للواقع السياسي الرديء، راضية بمبدأ الأمر الواقع، متعايشة مع الأنظمة الديكتاتوريّة المارقة، عندها من المبرّرات الكافية لتقديم التنازلات على حساب الثوابت الإسلاميّة. 

وأن تكتفي بعض الحركات الإسلاميّة بالقبول بهامش ضئيل من العمل الاجتماعي، كرعاية الأيتام، والصم البكم، والمكفوفين، وترقيع المجتمع الجاهلي بمحاربة ظاهرة التسوّل، ومكافحة المخدّرات، وغير ذلك من الآفات الاجتماعيّة التي أفرزتها الأنظمة الاشتراكيّة العلمانيّة الشموليّة.

والأدهى من ذلك أنّ بعض القيادات الوهميّة المعمّرة لا تخطئ لأنّها لا تعمل، فهي في مأمن من القيل والقال، وتكتفي بالمواعظ، والحديث عن التقوى، وكأنّها لم تسمع قول الشاعر:

يا عابد الحرمين لو أدركتنا لعلمت أنّك بالعبادة تلعب

وينسحب على بعض الحركات الإسلاميّة اتكاؤها على فكر المؤسّس، وعكوفها على تراث آباء الحركة، والاكتفاء بالقديم على حساب التجديد والابداع.

فهي لم تدخل عالم النشر والصحافة والإذاعة والمسرح والسينما، ولا تريد أن تدخله، ولم تتطلّع إلى عالم الفضائيّات لتصل إلى قلوب الناس باللغة التي يفهمونها، وترى أنّ الصحافة والنشر والإعلام المسموع والمنظور، وجميع الفنون الأدبيّة من البدع والمستحدثات، أما السينما والمسرح فقلّ من يجرؤ على طرحها كأسلوب للدعوة في حضرتهم.

رحم الله الإمام الشهيد حسن البنّا فقد كان بحق مجدّد هذا القرن، وكان إعلاميّا متميّزا، وداعية مجدّدا في أسلوب الدعوة ووسائلها، اقتحم عالم الصحافة والنشر قبل سبعين عاما بجرأة، ولو أدرك عصر الفضائيّات لجعل إقامة قناة فضائيّة لجماعته وهي كبرى الجماعات الإسلاميّة، في مقدمة أولويّات العمل الإسلامي. 

لكنّ المبدعين من أبناء الحركات الإسلاميّة الذين عجزت عن استيعابهم حركاتهم، استشعروا الواجب فارتقوا بإبداعاتهم، ولم يسقطوا في التخلّف الذي سقط فيه معاصروهم، وهكذا ارتقى نجيب الكيلاني في فنّ الرواية الإسلاميّة، وعلي أحمد باكثير في المسرح الإسلامي، وعبد الله الطنطاوي في تحرير مجلّة الطفل، ويوسف العظم ومحمد الحسناوي في نظم شعر الأطفال، وعبد الله العقيل، وأحمد الجدع في تراجم الإسلاميين، وغيرهم كثير، فلهم المجد والسؤدد.

وعلى الحركات الإسلاميّة التي تصدّت للعمل الإسلامي إعادة ترتيب الأولويّات، وتفعيل الجهد الجماعي والانطلاق من أدب الطفل، إلى أدب الشباب، إلى أدب المرأة، إلى قضايا العمّال والفلاحين، والدفاع عن حقوق الطبقات المسحوقة، والتصدي للقمع الفكري والفساد السياسي.

واقتحام فن الكتابة الصحفيّة والرسم والإخراج الفني، وولوج عالم الأنترنت، وإنتاج البرامج التلفزيونيّة المنسجمة مع الفكر الإسلامي النظيف، والضوابط الشرعيّة، واستخراج المواقف المضيئة من التاريخ الإسلامي، وإعادة تدوين سيرة الرجال العظام. 

وتشجيع الكتّاب والمؤلّفين والمبدعين من أبناء الحركة الإسلاميّة، والاهتمام بالأعمال الفنيّة المتميّزة، من دراسات وقصّة ورواية وشعر، وتعزيز الدور الرائد الذي يمكن أن يقوموا به، ليستمرّ هؤلاء في العطاء، والأداء الفني الجميل. 

ودعوة منتسبي الحركات الإسلاميّة لدخول عالم الكمبيوتر، والانتظام في دورات تدريبيّة، والحرص على اقتناء مكتبة إسلاميّة مهما قل حجمها، على العادة الحسنة للإخوان عندما أصبح الكتاب الإسلامي أكثر الكتب رواجا في المعارض العربيّة والدوليّة.

ومما يؤسف له أن نجد على خارطة الحركات الإسلاميّة قيادات لا تفسح المجال لغيرها، وتمارس الانتخابات على شاكلة حكوماتها، وتستخدم الأموال لخدمة أغراضها الشخصيّة، وتمنع التجوّل وتفرض قانون الطوارئ مثل الحكومات التي عارضتها.

ومن المحزن أن يدّعي رجال أمضوا في قيادة الحركة الإسلاميّة سنوات طويلة، لم يفسحوا فيها المجال لإخوانهم بالرأي والمشاركة، حرصهم على تجديد دماء الحركة الإسلاميّة، وكأنّهم يريدون القفز بالحركة إلى جيل آخر بعد استبعاد معاصريهم الذين جاؤا بهم.

وابتدعت بعض الحركات الإسلاميّة منح الأعضاء الحكميين مثل المراقبين العامين ورؤساء مجالس الشورى السابقين، حق المشاركة والتصويت في جميع المجالس التشريعيّة، مما شكّل كبحا لتطلّعات الجيل الجديد من أبناء الحركة.

أليس من الأجدى أن يتولّى قيادة العمل الإسلامي فريق عمل متجانس، ينتخب على أساس برنامج عمل واضح المعالم، ويخضع للمساءلة إذا عجز عن تنفيذ برنامجه، ويطلب منه الاستقالة إذا تنكّر لبرنامجه، أو أخلّ بمبادئ الحركة الإسلاميّة التي ينتمي إليها، أمّا أن يتولى القيادة مجموعة أفراد يدخلونها في سبات عميق، أو يوردونها موارد التهلكة دون رقابة أو محاسبة، فستكون النتائج على العمل الإسلامي ماحقة. 

إنّ ترسيخ مبدأ الشورى وجعله ملزما، ومنح الهيئات التشريعيّة المنتخبة حق تعيين قيادات العمل الإسلامي التنفيذيّة وحق عزلها، ضمان لأي عمل إصلاحي جاد.

ومما يرثى له الخلط القائم بين النقد البنّاء للحركات الإسلاميّة، وبين مسألة تجريح الهيئات التي أوصى الإمام البنّا رحمه الله بالابتعاد عنها، حتى خشي المخلصون من الإدلاء بدلائهم في عمليّة التقييم، ولم يفرّق كثير من الإسلاميين بين الإخلاص والاختصاص، وبين الأخوّة وتقييم الأداء. 

وأخيرا فلا بدّ من تضافر الجهود لإعادة الفرز والتقييم، وحل كافّة الإشكالات والتناقضات، وتبادل الخبرات، وأن تكتب دراسات مستفيضة عن الحركات الإسلاميّة، وأخرى مقارنة، وأن يشمل التعاون والتعارف جميع العاملين المخلصين، وتلتقي على الحب في الله كل جهود المخلصين.

وطوبى للغرباء 

1/8/2005 

فلتتضافر الجهود العربيّة والعالميّة للجم الفساد وقمع المفسدين

نشر بتاريخ: الجمعة، 01 تموز/يوليو 2005
كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

رضي الناس في الماضي الجهول وراثة ابن العالم منصبه الديني بالإضافة إلى جبّته وعمامته، فسخر منهم أهل الأرض والسماء، وجاء على الناس زمان أصبحت فيه الوظائف العامّة والمناصب العليا تهدى وتباع مثل متاع الميّت، وتطوّب لأهل الحظوة من المقرّبين والأدعياء الفاسدين الذين أكلوا الأخضر واليابس، وكدّسوا الأموال في البنوك الأجنبيّة، وتركوا خزانة الوطن خاوية، وأرضه خرابا. 

ولم تعتمد الكفاءة والمعايير الموضوعيّة، التي نصّت عليها الشرائع الإلهيّة والقوانين الوضعيّة في اختيار الرجل الصالح المتمتّع بالجدارة والأهليّة، القادر على حفظ حقوق الناس وحماية المال العام.

وفي غياب النزاهة والشفافيّة والمساءلة والإدارة السليمة، وغياب الإعلام الملتزم، وفقدان المرجعيّة الأخلاقيّة والقيميّة دورها الرائد في المجتمع، دمّرت الديكتاتوريات العسكريّة الفاسدة وما تمخّض عنها من أنظمة متخلّفة أمن المجتمعات العربيّة، وقوّضت مؤسّساتها الديمقراطيّة، وعرّضت برامجها التنمويّة الشاملة للخطر حتى أصبح التخلّف سمة ملازمة للمجتمعات العربيّة، والاستبداد لعنة لا تفارقها، وعرّض الطغيان الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي لأفدح العواقب.

وفي ظل الأنظمة الشموليّة استغلّت الامتيازات الحزبيّة والحصانات الممنوحة للطبقة الحاكمة التي منحت نفسها حق الوصاية على الدولة والمجتمع أبشع استغلال. 

ووقف القضاء عاجزا عن القيام بدوره الطبيعي في التحقيق مع الفاسدين وملاحقتهم ومقاضاتهم أمام المحاكم، وأعيق سير العدالة بالتهديد والوعيد وقول الزور.

وكان من أهم العوامل التي عزّزت استشراء الفساد في مجتمعاتنا العربيّة ظاهرة عدم التناوب على المناصب العامّة، والاستئثار بإدارة الشركات الحكوميّة التي تكون عرضة للفساد بسبب المغريات والمزايا.

وبسبب الرشوة والمحسوبيّة، والحصول على امتيازات واستثناءات، وإساءة استخدام الوظائف العامّة، والمتاجرة بالنفوذ، واختلاس الممتلكات في القطاعين العام والخاص، أو تبديدها وتسريبها، وغسل الأموال، والحصول على قروض مصرفيّة بدون ضمانات، والحصول على الإعفاءات الضريبيّة والجمركيّة، وحجب المناقصات وعدم الاعلان عنها، والحصول على مناقصات بالتراضي، وبالأسعار والعمولات المتفق عليها، حصل إثراء غير مشروع لطبقة طفيليّة من الأولاد والأصهار والزوجات، لاذت برجال من ذوي المناصب الحزبيّة الرفيعة، لم تتخذ أيّة إجراءات قانونيّة لمساءلتها أو سحب امتيازها القائم على الظلم والفساد العريض.

ولكن السؤال المحيّر: من يستطيع أن يوقف زحف الفساد ويقمع الفاسدين، ويحرم الجناة من عائدات الجريمة؟

من يستطيع استرجاع الممتلكات المتأتية من الأفعال المجرمة، فيعيدها إلى الدولة المنهوبة المسروقة، وإلى أصحاب الحقوق الشرعيين الذين أصابهم الضرر؟

وتبقى الإجابة بسبب استفحال هذه الظاهرة الخطيرة، وجسامة النتائج التي تمخّضت عنها مفقودة طالما منع الفساد القوى الخيّرة من اجتثاث هذا البلاء وحال دون التحري عنه، وملاحقة مرتكبيه، وحجز وإرجاع العائدات المتأتية عنه إلى أصحابها. 

ولا بدّ لدعم النزاهة في مجتمع نظيف متمتّع بالشفافيّة والمصداقيّة من وضع قانون: من أين لك هذا؟موضع التطبيق على كافّة الموظّفين العموميين ومن يلوذ بهم.

وإجبار كافّة العاملين في القطاع العام والوظائف الحكوميّة على تقديم بيان واضح يتضمّن ذمتهم الماليّة وأنشطتهم واستثماراتهم وممتلكاتهم الشخصيّة.

والمحافظة على سلامة السجلاّت والبيانات الماليّة ذات الصلة بالنفقات والإيرادات.

ونشر المعلومات المتعلّقة بعقود الشراء وإجراء المناقصات، ووضع نظام قضائي فعّال للطعن في العقود المريبة والمشبوهة.

من يستطيع منع تأجير أرض خضراء موقوفة لخيول المجاهدين منذ آل زنكي وبني أيوب تسعة وتسعين عاما لشركة يملكها أحد المقرّبين لإقامة منشآت سياحيّة تضمّ المطاعم والملاهي، في قلب عاصمة عربيّة. 

ألم يؤد اضعاف جودة البنية الأساسيّة وما يشوب تلك الصفقات المريبة من غش وتدليس إلى انهيار السدود، ومقتل العشرات غرقا بمياه الطوفان، وهذا سدّ زيزون شاهد على ما ندّعي. 

لقد بات الدفاع عن أمن المجتمعات العربيّة والمحافظة على ثروتها القوميّة مسؤوليّة جماعيّة ودوليّة، وعلى كافّة القوى الخيّرة في العالم أن تتعاون لفضح الفاسدين، ولجم عدوانهم على المجتمعات العربيّة.

وطوبى للغرباء.

1/7/2005 

جريمة جديدة تضاف إلى جرائم العصر

نشر بتاريخ: الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2005
كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

جريمة جديدة رهيبة تضاف إلى جرائم هذا العصر، ارتكبت في وضح النهار، أمام سمع العالم وبصره، نفّذها القتلة بأعصاب باردة، وقلوب قاسية، وضمائر ميّته، يوم الجمعة الدامية، عندما أقدم المجرمون في وضح النهار على سفك دم نحو ألف مسلم يقول ربي الله.

في أنديجان المدينة الآمنة الوادعة، يتّم مئات الأطفال، ورمّلت النساء، وروّعت المدينة الجميلة من هول الجريمة وبشاعتها، وتحوّلت ساحاتها إلى قطعة من الجحيم. 

اكتفى العالم المتحضّر بعرض صور رجال يجرون جثث ضحايا خضّبوا بالدماء، وتمتلئ بهم غرف المستشفيات، وممرات العيادات الصحيّة، وآخرون يعبرون الحدود مع أطفالهم هربا من الظلم وانتهاك الحقوق، وندّد آخرون بالمجزرة بعبارات خجولة.

في زمن الصمت تكتمل عناصر الجريمة، لأنّها ترتكب جهارا نهارا، بلا خوف من الله، ولا وجل من الناس، المقتول من أسند الله شرعيّة حكمه على القادر على حماية حقوقه، لا على قاتل غير مؤتمن على حماية حقّه في الحياة، والشهود شياطين خرس، يخدّرون الشعوب بفنون الطبخ، ومعارض الأزياء، والجري خلف الكرة، في هذا الزمان الرديء.

لم يتحدّث الناطق الحكومي عن عدد القتلى المدنيين هذه المرّة، ولكنّه حاول إقناعنا بأن ما أقدم عليه مجرّد حدث داخلي عابر، لا يعدو أن يكون ردا طبيعيّا على حركة عصيان اندلعت احتجاجا على محاكمة 23 متهما بنشر أفكار إسلامية متطرفة، وأنّ حفنة من رجال أمن النظام سقط في المواجهات. 

 برّر القتلة جريمتهم النكراء بأن الضحايا أعضاء في جماعة إسلاميّة محظورة، وأنّ ما يجري جزء من الحرب الدوليّة على الإرهاب الذي تولّى كبره النظام العالمي، وكأنّ إطلاق هذه التهمة تمنحه حق إطلاق النار بهذه الوحشيّة، وتعفيه من عقاب الله.

النظام البالي المتمسّك بامتيازاته في أوزبكستان الذي حكم البلاد منذ عام 1989 بقبضة حديديّة، حوّل بلاده إلى معتقل كبير، وشجّع التعذيب في سجون البلاد، وأطلق حملة واسعة النطاق لقمع المعارضين لنظامه تحت ستار مكافحة ما يسمى التطرف الإسلامي.

لم يكتف بنهب أوزبكستان وإذلال شعبها، وحرمان أمتّه من التمتع بشمس الحريّة بعد تفكّك الاتحاد السوفييني ، وسقوط الأنظمة الشموليّة والفاشيّة، فاستباح الدماء، ومهّد أرضها للمصالح والاحتكارات الأجنبيّة، والقوى الانتهازيّة العالميّة.

لكنّ أحرار العالم لن يصمتوا على هذه الجريمة البشعة، وكلّ جريمة تنتهك فيها حقوق الإنسان، مهما كانت الذرائع والأسباب، وسيرفعون أصواتهم بالاحتجاج والإدانة، ورفض كلّ المبرّرات.

ويطالبون بفتح ملفّات جرائم العصر التي أسدل الستار عليها، وتقديم القتلة إلى المحاكم الدوليّة ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه قتل شعبه.

 (ولا تحسبنّ الله غافلا عمّا يعمل الظالمون إنّما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار* مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء). صدق الله العظيم.

وطوبى للغرباء 

1/6/2005 

هل تخلّت أمريكا عن النخب العلمانيّة؟

نشر بتاريخ: الأحد، 01 أيار 2005
كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

وأخيرا اعترف الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بصراحته المعتادة في خطاب شامل عن السياسة الأمريكيّة في بلاده: بفشل السياسة الأمريكيّة التي امتدّت نحو ستين عاما قامت خلالها بتأييد حكومات لا تلتزم بالحريّة السياسيّة.

وأضاف بوش: إن ستين عاما قامت خلالها الدول العربيّة بتبرير الافتقار إلى الديمقراطيّة في الشرق الأوسط والتسامح معه لم تفعل أي شيء لتجعلنا آمنين لأن الاستقرار على الأجل البعيد لا يمكن شراؤه على حساب الحريّة.

وتساءل بوش: هل الشعوب في الشرق الأوسط بعيدة إلى حد ما عن الوصول إلى الحريّة؟وهل الملايين من الرجال والنساء والأطفال محكوم عليهم من التاريخ والثقافة أن يعيشوا تحت الاستبداد؟وهل يتعين عليهم وحدهم فقط ألاّ يعرفوا الحريّة أبدا؟وألاّ يكون لديهم خيار في الأمر؟.

نحن لا نلوم أمريكا إذا أنهت الفصل الأخير من اللعبة وتخلّت عن أنظمة أصدقائها التائهة في المنطقة، وقد فرّخوا التطرّف والإرهاب، وسحبت البساط الأحمر من تحت أقدامهم، بعد أن أحسنوا تمثيل دورهم في معاداة أمريكا والامبرياليّة ستين عاما، وظهروا بمظهر حضاري متقدّم ووطني، تحت دعوى الحداثة والتجديد، ومكافحة التطرّف والإرهاب الإسلامي، مبالغة في خديعة شعوبهم المدجّنة.

  ومن حقّنا أن نعتب على أمريكا التي تخلّت عن شعوب المنطقة ستين عاما، وغضّت الطرف عن تجاوزات حكومات العلمانيّين والمتغرّبين الفوقيين، الذين يريدون أن يسلخوا الأمّة من جلدها، ولا يتورّعون عن سلخ جلدها ونهب خيراتها، وتخريب السلم الاجتماعي في ربوعها، في غياب الرأي العام العربي المستنير، وافتقاد كفالة ضمانات حماية الحقوق وممارسة الحريّة، مع إيماننا بأن مسؤوليّة التحرّر والخلاص تقع على شعوب المنطقة بالدرجة الأولى. 

أمّا ماحدث في ظل النخب السلطوية العربيّة الحاكمة، في مشرق الوطن العربي ومغربه من حروب أهليّة وإقليميّة غبيّة استنذفت جلّ طاقته، وكوارث حلّت به تحت دعوى الضرورة وقوانين السلطة الكاملة، وتخلّف اقتصادي جعله في مؤخرة الأمم، وانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان والنيل من الكرامة الآدمية بصورة مذهلة، فيجعل الحليم في أمر العلمانيين العرب خلال الستين عاما الماضية حيران.

ومما يزيدنا اطمئنانا وثقة بربّنا أنّ ما جرى على الساحة العربيّة والإسلاميّة من أحداث، وما رافقها من ممارسات، أصبح نقطة تحول في مسار التطوّر الفكري والمعرفي لعدد كبير من المحسوبين على التيار العلماني، فانتقلوا من مسار النخبة العلمانيّة المتغربة إلى مسار النخبة الداعية إلى التجديد على سنن الإسلام، الذي يضرب بجذوره عميقا نحو الحضارة، لأنّه لا شيء يجعل جوهر الإسلام يتعارض مع التطوّر والتقدم، وخاصّة بعد ما أدركوا فداحة ما فقدته الأمّة من قيم، وما ضاع من بلاد، في غياب السند الأخلاقي لسياسة الدولة، وأنّ الإسلام يملك أسباب القوّة والنصر والتمكين، ومفاتيح الحل لمشاكل المنطقة برمّتها. 

والسؤال المحيّر دائما: هل تخلّت أمريكا عن النخب العلمانيّة الحاكمة في الوطن العربي؟أم أنّ ما يجري على الساحة لا يعدو أن يكون استمرارا للعبة السياسيّة في المنطقة؟

وطوبى للغرباء. 

1/5/2005